13 نوفمبر 2013

المصطفى سنكي يكتب : هل يكون الرئيسُ مُرسي "مانديلا" العرب؟

كذب الكُهّان ولو صدقوا:
عكس توقعات صناع انقلاب 03 يوليوز 2013 جرت الرياح، فقد كشفت الأيام أن من خطط وتآمر على الشرعية الديمقراطية الفتية في مصر أخطأ التقدير في أمور منها:
1. تجذر شعبية "الإخوان المسلمين" وتغلغلهم في مختلف
الفئات المجتمعية؛ تغلغل راكموه بحضور ميداني خلال عقود المحن والابتلاء على مستوى الخدمات الاجتماعية
2. صلابة التنظيم الإخواني واستعدادهم ـ قيادة وقاعدة ـ للتضحية لاستكمال بناء دولة الكرامة. وهنا وجب التنبيه إلى الأساس التربوي ـ الإيماني باعتباره نقطة ارتكاز تصنع الفرق في اللحظات العصيبة: ثبات وعزة نفس الرئيس المختطف خلال تقديمه للمحاكمة.
3. يقظة الشعب المصري والتفافه حول الشرعية رغم أشكال التضليل والمغالطات الذي جند لها الانقلابيون الماكينة الإعلامية؛ وإلا هل هذه الحشود التي غدا التظاهر السلمي جزءا من برنامجها اليومي أو الأسبوعي رغم أساليب الترهيب والتقتيل الممنهجة أعضاء في تنظيم الإخوان؟ وهل هذه الجموع الغفيرة من الطلبة المصريين تنتمي إلى فصيل الإخوان المسلمين؟ وإذا كان جواب السؤالين بالإثبات، فعلى الانقلابيين أن يبحثوا لأنفسهم على مخارج آمنة قبل فوات الآوان؟
الانقلاب وسياسة الأرض المحروقة:
رغم الدعم المالي والإعلامي والسياسي الذي انخرطت فيه قوى محلية وإقليمية ودولية، واضح أن الانقلاب إلى زوال، لكن ما يجب تسجيله هو أثر تدافع مخططي الشرعية والانقلاب على تماسك اللحمة المجتمعية، فالانقلاب تأسس على مبدإ استئصال الإخوان المسلمين من المشهد السياسي المصري، باعتبار هذا المكون السياسي يحمل مشروعا مجتمعيا يهدد المصالح الاستراتيجية للاستكبار العالمي، لأن بناء نموذج ديمقراطي في أم الدنيا سيشكل عاملا محفزا لتحرر الشعوب العربية والإسلامية، بل وجموع الشعوب المستضعفة في العالم.
من هذا المنطلق، اعتمد المخطط الانقلابي برنامج اجتثاث للإخوان المسلمين، فراح يُخَوّن قيادتهم ويشيطنها ويشكك في "عقيدتهم" السياسية مصورا إياهم خطرا محدقا على المجتمع المصري، فتعالت أصوات ـ للأسف من خندق إسلامي ـ تتبرأ من مصريَّتهم (نسبة إلى مصر) وتصنفهم خوارج يجوز قتلهم، بل إن قاتلهم مأجور وقتيلهم شهيد.
وبإضافة عنصر ثان يتمثل في الكلفة البشرية وعدد من سقطوا دفاعا عن الشرعية من عموم الشعب، يكون الانقلاب قد أسهم في تعميق الانقسام الشعبي على قاعدة الدم المسفوك والعرض المهتوك والحقوق المستباحة، بحيث إن التعايش المجتمعي الذي كانت مصر نموذجا راقيا له خلال عقود الاستبداد سيصبح مهددا، وهو ما سيرخي بظلاله وآثاره السلبية حتى وإن نجح المخطط الانقلابي وأضحى واقعا بلغة الحديد والنار، فكيف إذا ضاقت على فريقه أرض النيل على رحبها، واستسلموا للإرادة الشعبية؟
الحاجة إلى مانديلا:
الانقلاب إلى زوال حقيقة ومُسَلَّمة تاريخية، لكن السؤال المُؤَرق هو: هل من سبيل لإعادة اللحمة الشعبية؟ وكيف يمكن التخلص من تركات فترة الانقلاب، وقد أصبح الجميع متورطا أو مسؤولا فيها بشكل من الأشكال؟ فإذا كانت هناك أطراف تورطت بدعمها للانقلاب واعية أو مغررا بها، وأطراف آثرت سكوتا في لحظة فارقة فُسر مباركة ومؤازرة للانقلاب، فهناك أطراف من رافضي الانقلاب تتحمل نوعا من المسؤولية متمثلة في غياب التواصل مع مختلف الفئات الشعبية والفرقاء السياسيين قبل الانقلاب تنويرا للرأي، وبعده اقتراحا للمبادرات وتقديما للتنازلات التي مهما كانت صعبة وربما "مُهينة" سياسيا، تبقى هينة من أجل مصلحة البلد وحقن دماء الشعب. وعليه، وحرصا على المصلحة العامة للبلاد، لا بد من ابتكار حلول لتجاوز مرحلة انسداد الأفق السياسي.
مانديلا المصري:
لكل مرحلة قادة وزعماء رجالا كانوا أو نساءً، ويبدو أن الرئيس المعزول محمد مرسي أوفر حظا من غيره من الشخصيات الوطنية المصرية للاضطلاع بمسؤولية المصالحة الوطنية لاعتبارات منها:
1. بداية، هو رئيس منتخب شعبيا، وبالتالي لم يغتصب سلطة ولم يعتد على شرعية.
2. يحظى بحظ كبير من الاحترام، حتى من طرف خصومه السياسيين، فهو ـ وإن سلمنا بإخفاقه في تدبير مرحلة انتقالية حساسة توافرت العوامل لعرقلتها ـ غير متهم باستغلال السلطة لاغتناء غير مشروع، وغير متهم بالتضييق على الحقوق والحريات، بل اعتبرت سنة حكمه حقبة ذهبية لحرية التعبير، نال من "بركاتها" الحظ الأوفر تجاوز حدود اللباقة للنيل من شخصه؛ وفي عهده لم يعتقل معارض سياسي، ولم يتابع إعلامي، ولم تمنع قناة أو صحيفة.
3. وطنيته وتجرده، فقد أمضى سنة حكمه دون عداءات شخصية مع معارضيه، بل منهم من اكتشف بعد فوات الأوان ـ البرادعي نموذجا ـ غيرة الرجل على بلده ومقاومته الحثيثة لإجهاض مخططات انقلابية متوالية وحرصه على بناء دولة المؤسسات وليس "أخونة" أجهزتها كما روج خصوم الانتقال الديمقراطي.
4. رصيده من التضييق والابتلاء، فمن المعتقل خرج لينخرط في ثورة 25 يناير، وبعد شهور الاختطاف يعود إلى المعتقل "اليوسفي" (نسبة لنبي الله يوسف عليه السلام) استكمالا لعناصر براءته وتنمية لرصيده الشعبي الذي يؤهله ـ إن شاء الله ـ للتأليف المجتمعي.
5. كارزميته وشخصيته، فهو حافظ لكتاب الله: القرآن الكريم، وهذه ميزة يشترك فيها مع رئيس الحكومة الفلسطينية المُقالة إسماعيل هنية، وهو صاحب تكوين علمي عصري تشهد به سيرته العلمية. في المحصلة هو شخصية قوية وجذابة جلتها مواقفه وخطابه النافذ لوجدان الشعب وزهده في السلطة وتعبيره لبذل نفسه من أجل مصلحة وعزة بلده.
6. انتماؤه السياسي وموقعه في التنظيم الإخواني وحزب الحرية والعدالة يرشحه ليطرح المصالحة الوطنية ويضغط في اتجاه تبنيها من طرف التحالف الداعم للشرعية.
7. وختاما، مرجعيته وهوية المشروع الإخواني تفرضان تأسيا بالهدي النبوي تبني خيار "اذهبوا فأنتم الطلقاء" طيا لصفحات الاستبداد وحقنا للمزيد من الدماء، مشاركة في أعباء البناء وكنسا لخراب عقود الاستبداد.
هذه مؤهلات تشكل مجموع الرجل ليضطلع بدور مصالحة وطنية لتتجاوز مصرُ ـ بتوفيق الله وتأييده ـ مرحلة التجاذب السياسي والانقسام المجتمعي اللذين يوفران الغطاء لتدويل الصراع ويفتح لأرض الكنانة ـ لا قدّر الله ـ بابا على المجهول وخيمة عواقبه قد يمتد لهيب نار قلاقلها إلى دول أخطأت حسابات المرحلة واصطفت تؤيد الانقلاب وتعادي الإرادة الشعبية.

ليست هناك تعليقات: