23 أكتوبر 2013

اسماعيل أبو البندورة : فوضى مابعد الثورة في مصر وتداعياتها!!

شبكة البصرة
لاتزال مصر بعد الموجة الاولى والثانية من الثورة في حالة انتقال وعدم استقرار، ولاتزال الأنظار تتطلع الى مصر لكي تستكمل ثورتها المجيدة الجديدة وتعبر الى المستقبل، ذلك أن ما يحدث في مصر الآن هو اختبار تاريخي ومراهنة على امكانيات وطاقات احتجاجية كامنة في شعب مصر، لابدّ أن توجه دفّة السفينة الى مسارها الصحيح، ولا بدّ أن تأخذ زمام المبادرة بشكل مغاير لكي لاتعود الى الوراء، أو البقاء في السجن التاريخي (الساداتي – المباركي) البغيض الذي وضعت به بعد غياب الراحل الكبير جمال عبد الناصر.
في مصر الآن عنصر واقعي ورمزي هام في التدبير والتفكير والتقرير والقدرة على قلب المعادلات، وهو الشعب المصري بعبقريته واندفاعته وجرأته التي أسقطت مبارك خلال اسبوعين، وفيها الى جانب ذلك وعي شعبي تاريخي جمعي لايزال يؤسس حقائقه على الأرض، ويدفع بالأمور نحو التغيير العميق والكبير. لكن في الشعب أيضا وفي بعض قواه وأطرافه كما نلاحظ ونعاين، اختلاط وارتباك يكاد يربك ويشتت هذا الوعي ويشطّره ويشقيه ويسدّ طرقه نحو الانطلاق واشتقاق الدروب والمصائر الثورية التغييرية الجديدة.
وليس هذا (مؤشرات القدرة والردة) من عجائب الأمور وغرائب الدهور، فالشعب الذي عاش طوال عقود أسير الجمود والغياب والفساد والافساد والانسداد التاريخي، لن يتحول بقدرة قادر "كما قد يتصور البعض"، وخلال زمن قياسي الى صانع للوقائع السياسية المثالية المتكاملة، ولا الثورات الظافرة الناجزة، لكن فيه فائض الارادة والطاقة ليبدأ تحريك العجلة، والتأسيس للقادم، وصناعة الحاضر والمستقبل بطريقة متجاوزة لكل الماضي الأسود البائس الذي كاد أن يخرج مصر من التاريخ أو يضعها في مصاف الدول الفاشلة.
وعليه تبدو الأمور بقياسات الشرعية الشعبية ممكنة ومتاحة لكي تتصحح المسارات والسياقات وتتحرك الارادات، ويبدأ الخطو الجديد نحو المصالحات والتفاهمات الانقاذية، ونحو تحويل الشرعية الشعبية الى مرجعية وطنية كبرى تتنزّل منها وتتولّد الشرعية الانتظامية المؤسساتية الدستورية، وتتعطّل لغة المناكفة والمناطحة والتنابز الشعبوي بالأعداد والأرقام، ويقبل الجميع على صياغة رؤى المستقبل المعبّرة عن روح الثورة ومضمونها التغييري التاريخي، من خلال خطاب وطني موحّد يريد أن يصنع حاضر ومستقبل مصر بطريقة استنهاضية وجاذبة وموّحدة لكل القوى الوطنية.
والاقصاء والتغول السلطوي والاضطهاد والاستقواء على أي فئة أو طائفة من الشعب، في حالة مصر الراهنة لن يفتح الآفاق لتجديد وتغيير مصر، ولا لتحقيق مضامين ثورتها، وسوف يوقف ويضع مصر لآماد طويلة في عطالة وطنية وسياسية، وجزر تاريخي رهيب، أو أنه سيتحول مع مرور الزمن الى انسداد وانحباس سياسي – اجتماعي يؤدي بمصر الى التراجع وتضييع الفرصة التاريخية في التغيير، والمراوحة في المكان، أو في الصدام والاقتتال والتناحر الأهلي الى فترات قد تطول وتودي بحال البلد الى الحضيض.
في مصر الآن قوى وارادات متناقضة ومتصارعة تسعى الى اعادة انتاج الاستبداد والتسلط بغطاءات ثوروية، وأصبحت "بحسن أو سوء نية" تستمرىء الفوضى، وأحيانا تتغذى على فجائعها ومعطياتها، ولا تنطوي كما نلاحظ على خطاب عقلاني يدرك اللحظة الوطنية الصعبة ويدرك ويعبر عن ضروراتها وتحدياتها، وهنالك ارادات خارجية تتسلل الى صفوف هذه القوى وتستحوذ أو تهيمن على قناعاتها وقراراتها، وكل ذلك مما يصعّب ويعقّد الأمور، ويخلق فراغا في القيادة وفي الشارع المشتعل بقبول الاستتباع من الطرفين، والانجرار وراء الأهواء العصبوية، والاغواء السياسي الظفراوي، ويفاقم الأحداث ليجعلها دامية ومتواصلة، وفي هذا مافيه من المخاطر والكبائر التي تجعل الوطن كالعهن المنفوش مذررا بلا معنى أو مستقبل، والناس في حيرة وتردد والتباس، وتتبدل بالتالي ماهية الثورة وتصبح لا- ثورة، أو ثورة ناقصة ومغدورة.

تحتاج مصر الآن الى هدنة سياسية - وطنية، هدنة في النفوس والعقول والشوارع والساحات لكي تبدأ تفكيرا وطنيا جديدا يقوم أولا على عدم التفريط بالفرصة الثورية التاريخية المتاحة منذ 25 يناير، ويتأسس على ميثاق وطني يضع المحددات والعناوين السياسية الضرورية لادارة مصر في قابل الأيام، ويبدأ بتفاهمات ومصالحات وطنية على كافة الصعد لكي تعود الأمور الى مجراها الطبيعي وسياقها الوطني الاعتيادي، ثم يتم الانتقال بعدها الى التفاصيل التي سيتم اقرارها من خلال حوار وطني مفتوح يأخذ في الاعتبار كل متطلبات الأطراف الوطنية في المجتمع الواحد وعلى ضوء اباحة حرية الرأي والحق في الاختلاف.
وهذه ليست عضات بقدر ماهي تفكيرات عربية قومية تدرك أهمية مصر ودورها القومي، وتستند في مجمل تصوراتها ومحفزاتها الى معطيات وشواهد مرحلة ناصرية قومية استنهاضية، كانت عنوانا ورمزا في مرحلة معينة الى حالة نهوض قومي، تكرست من خلالها قدرة وعبقرية مصر، وأدت الى نهوض عربي شامل لانزال نراه ممكنا في الاستحضار والاستعادة والتجسّد في حال أن تدرك مصر الحاضرة الثائرة أهمية دورها وأهمية وضعه في خدمة النهضة العربية الشاملة.

ليست هناك تعليقات: