22 سبتمبر 2013

نعيد نشره للاهمية .. محمد سيف الدولة يكتب : الكتائب السرية والماكينة الجهنمية!

- لا أقصد فقط المخبرين والمرشدين التابعين لأجهزة الأمن الذين يخترقون الأحزاب والتجمعات بغرض التجسس وجمع المعلومات والتخريب والتلفيق إلى آخر هذه المهام الكريهة التي عشناها على مر العصور
- بل إن هناك أنواعا أشد خطرا وضررا، وهم مجموعة العناصر التي تقوم الدولة بزراعتهم في كافة مؤسسات المجتمع، بعد أن تنتقيهم بعناية من بين أكثر الشخصيات انتهازية، ثم تختبرهم وتدربهم، قبل أن تقوم بنشرهم فى كل مكان، لينفذوا تعليماتها وفق الحاجة.
- من مهماتهم، بالإضافة إلى التجسس والاختراق والافساد والتخريب، الدعاية للدولة والدفاع عن سياساتها حين تخون أو تستبد أو تزور أو تسرق أو تخرج عن الشرعية. من أجل ذلك، تقوم الدولة بدعمهم في مواقعهم، وتفتح لهم أوسع أبواب المناصب والمال والجاه والشهرة والنجومية لتضمن ولاءهم.
- هم يختلفون عن باقى رجال الدولة الرسميين الظاهرين للكافة، في أنه يتم تقديمهم إلى المجتمع بصفتهم شخصيات مستقلة أو معارضة، لتضليل الناس وتسهيل اختراقهم والتاثير عليهم.
- هم من كل صنف ونوع ولكن أخطرهم هم أولئك الذين يخترقون الحياة العامة في صورة مثقفين وسياسيين وإعلاميين و«ثوار» ورجال قانون ومستشارين وقضاة وفقهاء وخبراء استراتيجيين ورجال دين ونقابيين ونقباء ورؤساء أحزاب ووزراء سابقين ..الخ.
- هي عملية تمارسها الدولة منذ القدم، ولم تتوقف عنها أبدا، فمن هذه العناصر من تم زراعته أو تجنيده منذ سنوات أو عقود طويلة، ولم تنكشف حقيقته، بل تطور به الحال إلى أن أصبح شخصية عامة مرموقة، وهو النموذج الأشد ضررا.
- يتميزون جميعهم بقدرات خاصة على الكذب والخداع والنفاق والمناورة والاحتيال، ليبرروا للنظام كل أنواع الشرور والجرائم والأباطيل التي يرتكبها. وهم مجردون من أدنى أنواع القيم أو الحياء أو الخجل، فيكذبون بدون أن يرف لهم جفن.
- هم لا يتساوون عند الدولة فى أهمياتهم أو طبيعة خدماتهم أو درجة احتياجها إليهم، فمنهم من يعمل لديها طول الوقت «بدوام كامل»، أو «بعض الوقت» part time، او بالقطعة أو بالموقف أو بالحملة، وكله حسب الظروف والتعليمات.
- منهم أحزاب وجمعيات وائتلافات وجبهات وتحالفات ومجالس ونواد وصحف ومجلات وقنوات فضائية «كاملة»، تقوم بهذا الدور بكل هيئاتها وقياداتها وملاكها، سواء كانت تقوم به بابتذال مفضوح أو بحنكة وذكاء، قد تمر على الكثيرين.
- تقوم هذه العناصر أو المؤسسات عادة بادعاء المعارضة ونقد النظام في مواقف بعينها، بغرض اكتساب ثقة الرأى العام، لكي يصدقها حين تتصدى «وقت الحاجة» للدفاع عن الدولة ونقد خصومها.
- في الأزمات الكبرى الطارئة قد تضطر الدولة إلى التضحية ببعض عناصرها وحرقهم للقيام بأدوار مكشوفة، لن يقبل غيرهم القيام بها، بل أحيانا قد تضعهم الدولة في حرج شديد حين تأمرهم بتغيير مواقفهم من النقيض إلى النقيض لضرورات التكتيك والمناورة والاحتيال والتضليل، كما حدث أبان قيام الثورة.
- أحيانا نفاجأ ونفجع في شخصيات كنا نحترمها، وقد تحولت إلى مجرد بوق للدولة، أو جزء من حملتها ضد خصومها المستهدفين.
- توارثنا عن أساتذتنا وآبائنا وأجدادنا مبدأ هاما في العمل الوطني: أنه من المحرمات أن تشارك في حملة تشنها الدولة ضد خصومك السياسيين، وأن عليك إن لم ترغب في الدفاع عنهم، أن تلتزم الصمت، وتؤجل صراعك معهم، حتى لا تتحول لأداة بيد الدولة.
***
لقد رأينا كيف تعمل هذه الماكينة الجهنمية ضد كل القوى والتيارات الوطنية بتنوعاتها منذ قيام الثورة، لكنها في الأزمة الأخيرة ومع اقتراب موعد تسليم السلطة وترشيح شفيق، ومحاولات إنجاحه، وحل البرلمان المنتخب، وإصدار قانون الضبطية القضائية، والإعلان الدستوري المكمل، والانقلاب الصريح على الثورة، نزلت الماكينة الجهنمية للدولة بكل ثقلها وكامل لياقتها إلى الساحة، لتنتشر كتائبها في ربوع البلاد، كل منها تقوم بدور محدد ومرسوم ومتكامل مع أدوار الكتائب الاخرى:
- فالكتيبة القضائية الأولى في لجنة الانتخابات الرئاسية، تقبل أوراق شفيق، رغم صدور قانون العزل السياسي.
- ثم تقضي الكتيبة القضائية الثانية في المحكمة الدستورية بحل البرلمان المنتخب وإبطال قانون العزل.
- مع دعم ومساندة من الكتيبة القضائية الثالثة في نادى القضاة التي هددت وتوعدت البرلمان وأعضاءه بالثأر والانتقام.
- ولحقت بها فورا كتيبة الفقهاء القانونيين والدستوريين لتدافع عن هذه القرارات، وتشن هجوما حادا على كل من يعارضها، وتتهمه أنه خارج عن الشرعية ومعتد على هيبة القضاء، مع تضليل الرأي العام بادعاءات مثل أن القضاء مستقل وأن المجلس العسكري بريء من كل هذه الأحكام.
- كتيبة الكتاب والصحفيين والإعلاميين والفضائيين انبرت للدفاع عن شفيق وعن المجلس العسكري، وعن إعلانه المكمل عن اللجنة الرئاسية وعن المحكمة الدستورية، وهاجمت قوى الثورة ومظاهرات الغضب، باستخدام كل حيل وفنون التحليل السياسي في الترهيب منهم ومن المصير الأسود لمصر فيما لو وقعت في براثنهم، وهو ترهيب لم يقتصر على الإخوان فقط، بل طال الجميع، ترهيب مشابه لما كان يحدث مع كل خصوم الدولة من كل التيارات على مر العصور.
- قدمت كتيبة الاحزاب السياسية الموالية الغطاء السياسي والحزبي لموقف الدولة بحجة الدفاع عن الشرعية والمدنية والاستقرار.
وهكذا جرى ذلك كله في سيمفونية نشاز كريهة يديرها مايسترو واحد، على غرار تلك التي كان يعزفها لنا نظام مبارك طول الوقت.
***
وأخيرا، أيا كانت نتائج وتطورات الأحداث في الأيام القليلة القادمة، فإنه يتوجب على كل القوى الوطنية أن تبذل كافة الجهود، وتبدع من الوسائل والأدوات والآليات ما يمكنها من حماية الرأي العام من التأثر والوقوع في براثن حملات التضليل والترهيب والردة التى لن تتوقف.

ليست هناك تعليقات: