04 أغسطس 2013

ننشر المقال الممنوع من النشر في جريدة الوفد للكاتب الصحفي عادل صبري


للمرة الثانية خلال الشهر الأول من الانقلاب يمنع رئيس الوفد ورئيس التحرير مقالي من الوفد الذي أكتبه منذ 20 عاما، الغريب أن المقال لم أذكر فيه إلا رأيا للكاتب البريطاني روبرت فيسك حول رؤيته لما يحدث في مصر ، والكلام نشر مترجما في الوفد من قبل ولكن مقص الرقيب لم يقرأ إلا ما أكتبه فحظروا النشر عن مقالي بينما الترجمة مازالت على صفحات الجريدة والبوابة .. سلموا لي على الليبرالية والحرية في عهد العسكر ومؤيدي الانقلاب ومحبي بيادة السيسي. واللي بيربش لهم فأيتونه طوعا أوعبيدا ... المقال ....

الحقيقة المرة كما يذكرها روبرت فيسك!

بقلم: عادل صبري 
مع انتشار الفضائيات ووسائل الاعلام الاجتماعي، على الانترنت لم تعد الحقيقة حكرا على أحد. أصبحت تحديات الصحف والقنوات أخطر من ذي قبل، فقول الصدق وتقديم كافة المعلومات المتصلة بموضوع ما، أصبحا الضمانة الوحيدة للوصول إلى عقول الجمهور. ويعبر انقسام الشارع العربي والمصري عن عمق الانحدار المهني الذي وصلنا إليه، في وقت أصبحت فيه الثوارات تزيف بالفوتوشوب وعاد الرقباء يمارسون مهامهم على الكتاب والمفكرين، والتصنيف السياسي البعيد عن المهنية. فأصبح الإعلام طرفا في معركة مصير يمر بها الشعب ، وأداة تنفيذية لقوى سياسية أو مالية في مواجهة قوى أخرى مضادة، في المواقف والأهداف. 
تحولت البرامج الفضائية إلى ساحة معارك، بعضها يتجاوز حد الردح والشتائم البذيئة، ومن استعمال اللغة الخشبية الغليظة إلى ارهاب الناس وترويعهم بأقسى الألفاظ، بما يدفع الناس إلى التحزب الأعمى في اتجاه الوسيلة الإعلامية المسيطرة عليه، أو يفعلون مثلما أفضل الآن معرفة الحقائق عبر وسائل الإعلام الدولية، غير المنحازة لطرف من الأطراف. ومن أفضل الذي أتابعه عن كثب هذه الأيام الكاتب البريطاني " روبرت فيسك" الذي تصفه جريدة نيويورك تايمز الأمريكية بأنه" أعظم وأشهر صحفي أجنبي أنجبته بريطانيا.. بل أصبح علامة في تاريخ الصحافة العالمية المحترمة". 
لم ينل روبرت فيسك شهرته من فراغ، بل خلال مسيرة قضى منها نحو 30 عاما في الشرق الأوسط، ويتنقل خلالها، بين مصر ولبنان، حصل على أفضل الجوائر الصحفية الدولية. يمتاز الرجل بقدرته الفائقة على العمل، في أماكن الصراعات والحروب، فهو كما كتب عنه الزميل حازم نبيل في وكالة أنباء الأسوشيتد برس" الصحافة بالنسبة له ليست الجلوس في المكاتب المكيفة وامتلاك موهبة الكتابة والقدرة على التلاعب بالألفاظ وتطويعها لإثارة القارئ.. بل هي رحلة شاقة من أجل الوصول إلى الحقيقة، يخلع خلالها الصحفي كل رداء فكري أو حزبي، ويعرض نفسه للخطر لكي يمتلك الحقيقة.. أن تشتبك مع الحدث بل وتصنعه في كثير من الأحيان..و عندما تقرأ تحليلاته تشعر دائما أنك تعيش الحدث.. يجيب عن أسئلتك قبل أن تتفوه بها.. يقنعك بمنطقيته وأمانته في عرض المعلومات.. احترم عقول القراء فارتقى إلى مصاف المبدعين بمهنة البحث عن المتاعب". 
تعرف هذه القيمة عندما يقرأ روبرت فيسك الأحداث في مصر، فهو يسمي الأشياء بمسمايتها على أرض الواقع وليست كما يحلو لنا أن نطلق عليها متحصنين بموقف سياسي مسبق، لذا" تظهر مدى مهنيته في التعامل مع الانقلاب العسكري بمصر، حيث لم يبارك هذا الانقلاب ويروج له مثلما يفعل كثيرون، وإنما انتقد الموقف الأوروبي والغربي المتخاذل مما يحدث في مصر فكتب عنوان تهكمي "متى يكون الانقلاب العسكري ليس انقلابا؟ و قال فيسك "إنها المرة الأولى في التاريخ، التي لا يتم النظر فيها إلى اغتصاب الجيش للسلطة باعتباره انقلابا؟. .
ليس هذا فحسب، وإنما ذهب بعيدا في مقاله قائلا "مرسي وصل إلى سدة الحكم في مصر عبر انتخابات ديمقراطية، حصل فيها على أصوات ربما تزيد عما حصل عليه كثير من القادة الغربيين، الذين التزموا الصمت حيال الانقلاب". 
ويبدو الزميل حمدي مبارز خبير الشئون الخارجية، في الوفد والعالم اليوم من أكثر المصريين ترجمة لأعماله هذه الأيام، حيث نشر تحليلا الأسبوع الماضي بالوفد،تحت عنوان "العنف المصري مجزرة، وليس انتقال ما بعد الثورة"..السيسي يدرك أن علاقات مصر مع إسرائيل هي الآن أكثر أهمية من أي انقلاب" حيث شرح روبرت فيسك" في سلسلة مقالاته التى يكتبها من مصر فى صحيف اندبندانت البريطانية:" ماذا حدث لمصر؟ ..الموتى يطلق عليهم "الإرهابيين"، وهى نفس المصطلح الذى يستخدمه الإسرائيليون مع أعدائهم ، وهو نفسه الذى يستخدمه الأميركيون أيضا . والصحافة المصرية تتحدث عن "اشتباكات"، كما لو أن الإخوان المسلمين مسلحين ويخوضون حربا مع الشرطة. فصباح أمس،( يوم حادث المنصة) ألتقيت صديق مصري قديم وقال إنه ينظر إلى علم بلاده ويبكى.أستطيع أن أفهم لماذا ... لماذا هذا العدد الكبير من الموتى ؟ ومن الذين قتلوهم؟ فقد وقع العديد من المصريين قتلى. وهناك العديد من المواطنين المناهضين للرئيس المعزول محمد مرسى ، قالوا لي أمس أنهم لم يستطيعوا أن يصدقوا ما حدث، وأضافوا إن الإخوان كانوا جميعا مسلحين بالبنادق، باعتباره أن واحدا فقط كان يمسك في الواقع كلاشينكوف بالقرب من المستشفى الميدانى فى ميدان رابعة العدوية، وهذا ما رأيت . ولكن الحقيقة هي أن الشرطة أسقطت الرجال العزل ولم يمت شرطيا واحدا. وكانت هذه هى المذبحة. وكان هذا هو القتل الجماعي. ليس هناك كلمة أخرى يمكن قولها فى هذا الحدث.
وسخر "فيسك" متهكما من الغرب وعلى وجه التحديد من كلام وليام هيج وزير الخارجية البريطانى، وقال ان هيج طلب برفق من السلطات المصرية "الامتناع عن العنف لأن الآن هو الوقت المناسب للحوار، وليس المواجهة". وأشار فيسك إلى أن لهجة هيج العطوفة لأحبائه فى مصر تختلف جذريا عن لهجته عندما يتحدث عن مجازر الحكومة السورية . فعندما يفتح أصدقائنا فى الحكومة المصرية النار على خصومهم نستخدم كلمات رقيقة.
ويضع روبرت فيسك في نفس المقال تساؤلات أمام القارئ والساسة" لعلنا نجيب عنها بوضوح وهي: ولكن ما هى "العملية السياسية" في مصر؟.. إذا كنت يمكن أن تشارك في الانتخابات والفوز - ومن ثم يتم خلعك من قبل جنرال. ما هو مستقبل السياسة في مصر؟. فالغرب قد يرغب في حب مصر، ولكن مصر الآن تدار بمعرفة جنرال صعب للغاية ولا يبدو أنه مهتم كثيرا بما نفكر فيه ، فهو يدرك أن علاقات مصر مع إسرائيل هي الآن أكثر أهمية من أي انقلاب في القاهرة وأن المحافظة على معاهدة السلام بين مصر وإسرائيل تستحق أكثر بكثير من أي إدعاء على الديمقراطية في القاهرة. وواصل الكاتب تهكمه قائلا:" ونحن - في الغرب - في سبيلنا للتعاطى مع هذا. فقد قال الرئيس الامريكى "أوباما" للمصريين أن الولايات المتحدة ستكون دائما شريكا قويا للشعب المصري وهو يشكل طريقه إلى المستقبل". والشعب المصري - انتظر هذا وأعطى الفرصة لعودة الوضع الانتقالى ما بعد الثورة في البلاد إلى مساره." وهكذا فإنه يوجد لديك انقلاب العسكري "انتقال ما بعد الثورة" ، ولننسى القتلى الـ 37 الذين رأيتهم في المستشفى يوم السبت ( عقب حادث المنصة) ، ولننسى خطاب "أوباما" في بناء جامعة القاهرة عام 2009 ، نحن في مرحلة ما بعد الثورة!.
ما نشرته" الوفد" وغيرها من الجرائد من أقوال الرجل تبين النوعية المحترمة من الصحفييين التي تنقل الواقع ولو كان مرا حتى يتخذ الناس قرارهم حياله، لا أن يوجهونهم مثل النعاج. فهذه الاستنتاجات وغيرها "لم تكن مجرد آراء يكتبها فيسك بعبارات رشقية ومصطلحات رنانة وإنما من معلومات ووقائع يحصل عليها من وسط الأحداث ويلتقي خلالها أطراف وضحايا الأزمة"، نتمنى أن يسير اعلامنا على وتيرته، حتى لا يزيد الشقة بين أبناء الوطن، من أجل شهرة زائفة،ومال زائل لا محالة. 
Adelsabry33@yahoo.com

ليست هناك تعليقات: