03 يونيو 2013

الشركات الأمريكية والأوروبية وخطة السطو على النيل


بقلم: عامر عبد المنعم
لا يتصور أحد أن ما تفعله أثيوبيا مجرد تحرك عفوي من هذه الدولة، فالمشكلة أكبر من ذلك بكثير. نحن نواجه عملية سطو جديدة على نهر النيل من قبل مجموعة واسعة من الشركات الأمريكية والأوربية بدعم مباشر من البنك الدول ومؤسسات التمويل الدولية.
إننا نواجه نوع جديد من المستعمرين الذين نهبوا ثروات الشعوب في العالم العربي والإسلامي، يرون أن مصادرالطاقة التقليدية من بترول وغاز ستنضب، فوجهوا أطماعهم إلى الاستثمار في المياة ليحققوا أرباحا بمليارات الدولارات، ويدفعهم جشعهم إلى تحويل المياة إلى سلعة.
إنهم يعملون منذ التسعينات على خصخصة المياة في دول العالم الثالث، وسيطرة رجال الأعمال الغربيين ووكلاؤهم على مشروعات المياة، سواء كانت للشرب أو للري أو لتوليد الكهرباء، وهناك استراتيجية واضحة المعالم يعملون على تنفيذها للسيطرة على السدود والأنهار، بل وعلى الترع أيضا.
في عام 2000 أوفدتني جريدة الشعب إلى لاهاي لحضور منتدى المياة العالمي، وكان مؤتمرا ضخما حضره 5000 شخص من معظم دول العالم، وكان الغرض من هذا المؤتمر تمرير وثيقة أصدرتها لجنة أسسها البنك الدولي اسمها "اللجنة العالمية للقرن الواحد والعشرين" تنص على خصخصة كل مشروعات المياة في العالم، بزعم فشل الحكومات في إدارة المياة.
ولكي تتقبل الدول والشعوب وصفة البنك الدولي تضمنت الوثيقة بيانات مضللة ومبالغ فيها، بل وغير صحيحة، عن العطش الذي ينتظر العالم والمجاعات التي تهدد الشعوب، ليقنعونا بأن الخصخصة هى الحل.
وكتبت يومها أهم محاور الاستراتيجية الجديدة لأمريكا والغرب للسيطرة على المياة والأنهار في العالم الثالث وأهمها نهر النيل.
أخطر أهداف هذه الاستراتيجية أن تكون الوكالات الأمريكية والغربية التي ستقدم القروض صاحبة القرار في توزيع المياه بالسيطرة على الأنهار والسدود والترع وكل المشروعات المائية في العالم، حتى الآبار والمياة الجوفية لم تسلم من أطماع الدول الغربية.
وتقرر في هذا المؤتمر إنهاء سيادة الدول على الأنهار التي تمر بأراضيها، وإلغاء الاتفاقات السارية، بإنشاء مفوضيات لكل حوض نهر، ممولة من البنك الدولي والمؤسسات الغربية، وتقوم هذه المفوضيات -الموجهه غربيا- بالتحكم في المياة وإعادة توزيعها وفقا لأسباب مالية ربحية وسياسية كما في نهر النيل.
واستمر لوبي السيطرة على المياة بتمويل خبراء المياة في كثير من دول العالم، لتمرير الأجندة الموضوعة، ففوجئنا في مصر قبل الثورة، بتأجير الترع في الدلتا وتركيب عدادات لبيع المياة ولكن قام الفلاحون بتحطيم العدادات وأفشلوا المؤامرة.
على الصعيد الدولي، وللسيطرة على النيل تحقق ما كشفناه وتم تأسيس مفوضية للنهر ومقرها إثيوبيا، ضمن اتفاقية عنتيبي عام 2010 التي تمت صياغتها بطريقة خبيثة لضمان السيطرة على إدارة حوض النيل وفقا لغير مصالح دولتي المصب، حيث نصت على أن تكون القرارات بالأغلبية وليست بالإجماع كما طلبت مصر والسودان.
التحدي الذي نواجهه الآن ليس بسيطا كما يظن البعض، فبناء سد النهضة سيتبعه سلسلة أخرى من السدود على النيل الأزرق، والذين يقفون خلف السد، شبكة من شركات وقوى معادية تريد تطويق مصر واللعب بورقة المياة كوسيلة ضغط على صانع القرار المصري لتحقيق أهداف سياسية، في مقدمتها عرقلة مشروع الاستقلال المصري وخنق الحكم الجديد لاسقاطه، ومنها مساومة مصر فيما بعد لتوصيل مياه النيل للكيان الصهيوني مقابل حصة زائدة من المياه.
الذي أثار استغرابي واندهاشي وقتها أن الذي وضع روشتة البنك الدولي للسطو على مياه العالم ومنها نهر النيل كان الدكتور اسماعيل سراج الدين، مدير مكتبة الاسكندرية، وكان يومها نائبا لرئيس البنك الدولي، وتسببت هذه الرؤية الاستغلالية الجشعة في احتجاجات مناهضي العولمة ضده شخصيا، مما اضطر البنك الدولي للتخلص منه بعد المؤتمر بيومين حتى لا يشوش على الاستراتيجية الجديدة، وللحفاظ عليه كأحد كوادر البنك المهمة، إذ تم إرساله إلى مصر ليتولى منصبا قياديا في الدولة المصرية فيما بعد، من خلال سوزان مبارك التي عينته في مكتبة الاسكندرية، ولكن الثورة قطعت عليه طريق تولي منصب رئيس الوزراء كأحد المرشحين في شهور مبارك الأخيرة.
أمامنا تحديات كبيرة للخروج من قبضة الهيمنة الغربية، وهذا يحتاج إلى أن نعي أين الخطر؟ وكيف نتوحد لمواجهته؟ والمواجهة تحتاج إلى برنامج تنموي حقيقي يعمل على محاصرة العدو لا أن نتركه يحاصرنا، مع الانطلاق في الطريق الحقيقي وليس في الطرق التي يرسمها لنا أعداؤنا من خلال بعض المستثمرين الأجانب ومن معهم من رجال أعمال في الداخل.
علينا أن نستعيد قوة الدولة المصرية وأن نوقف عمليات الاستنزاف الحادثة الآن، وعلينا أن نسعى لجمع عمقنا الاستراتيجي الشعبي والعربي والإسلامي لقطع الطريق على من يريدون ذبحنا بكل ما يملكون، ولو حتى بمياه النيل.

ليست هناك تعليقات: