05 مارس 2013

نريد ديكتاتورا مؤقتا ... عبد الرازق أحمد الشاعر



ذات تاريخ، كان مجلس الشيوخ الروماني يعين ديكتاتورا لحكم البلاد ويفوضه في الاستبداد بالقرار ستة أشهر كاملة. وكانت كلمة الحاكم بأمر البرلمان تقتضي السمع والتنفيذ حال صدورها، وهو ما يفسر اقتباس كلمة ديكتاتور من القاموس الروماني والتي تعني: "لقد تكلمت." 
كانت كلمة الحاكم المؤقت إذن دستور البلاد وكانت مشيئته محمية من الطعن والاستئناف. لهذا كانت روما تحبل وتلد كل ستة أشهر جنينا لا يشبه إخوته إلا في الولاء، وكان الروماني يغير كل بضعة أشهر تحيته ونبرات صوته وانحناءات عموده الفقري حسبما تقتضي الحاجة - حاجة الحاكم لا حاجته. لكن الناس كانت تتعامل مع ضيف الُملك كما تتعامل مع فصول السنة عند القطبين، وتتحمل نزقه وإخفاقاته باعتباره ديكتاتورا غير معمر. 
ومن النوادر التي تروى في هذا السياق ما حدث عام أربعمئة وثمانية وخمسين قبل الميلاد، حين خلا عرش الاستبداد من طاغية منتخب دون أن يتفق نواب الشعب على وريث للقهر، وداهمهم بليل الطامعون في عاصمة ملكهم. يومها عقد المجلس الموقر جلسة طارئة، ووقع اختيارهم على أحد الفلاحين المشهود لهم بالحزم لتولي قيادة البلاد، ومن فورهم توجهوا إلى مزرعته وألقوا شتلة غرس كانت بيده ووضعوا فوق رأسه تاج الطغيان.
خُلع الفلاحون سنسينيطس من حقله وألقي على مركبة حربية وزج به إلى الصفوف الأمامية ليقود الجند نحو انتصار مجيد. لكن فلاح روما لم يطب له المقام على عرشها، فقرر بعد أن قتل من قتل وأسر من أسر، ورد المعتدين على أعقابهم خاسرين أن يستقيل من بلاطه الفاشي ويعود إلى حقله ليكمل ما بدأ قبل أن يجف غرسه. 
لم يمكث ولي عهد القمع غير ستة عشر يوما على صهوة الحكم ليصبح أقصر الفاشيين أجلا وأعمقهم أثرا. هكذا تلد الضغوط مستبديها وتقذف بهم إلى الصفوف الأمامية كما فعلت بمحمود بن ممدود حين حولته من وصي على العرش إلى ملك مظفر ليتمكن من إيقاف زحف المغول فوق فسيفسائنا الإسلامي ويقطع دابر المتآمرين على عرش مصر. صحيح أنه تجاوز مدة الولاية الرومانية، فقعد على كرسي العرش عاما كاملا لا ستة أشهر، وأن سيوف الأصدقاء لا قوانين الاستبداد هي التي أطاحت به، إلا أنه استطاع أن يسجل اسمه بين أقصر القادة عمرا وأجلهم أثرا. 
فهل يكون الحل بعد أن تسنمنا صهوة الديمقراطية فأسقطتنا عن ظهرها من أول جولة، وبعد أن استبد كل ديمقراطي بمواقفه كبغل حرون، وبعد أن وقفت كل القوانين عاجزة عن الوفاء بحياديتها، وتقدم الحل الأمني على جلسات الحوار أن تتحول ديمقراطيتنا المشبوهة إلى ردة ديكتاتورية ذات مرجعية رومانية؟ هل آن أن يتخلى المدمنون على الأمل عن طوباويتهم ليبحثوا عن ديكتاتور عادل ليخرجهم من مأزق الشتات كما كان يطالب فيلسوف العصر زكي نجيب محمود؟ 
لكن من يضمن أن يتخلى أي ديكتاتور منتخب عن مقعده طواعية كفلاح روماني أصيل؟ من يضمن أن يتراجع المستبد عن الحكم طواعية كفارس نبيل خلع رتبته وتأخر قليلا ليحتل منصبه في قلوب المؤمنين كخالد بن الوليد؟ ومن يضمن أن يكون لمجلس الشيوخ المنتخب أي سلطة على العرش ليستبدلوا الطغاة بجلسة طارئة؟ فبلادنا ليست كروما وإن كان حكامنا كحكامهم يعشقون القمع ويتباهون بالاستبداد. 
أديب مصري مقيم بالإمارات
Shaer129@me.com

ليست هناك تعليقات: