30 يناير 2013

مؤنس زهيري يكتب : "البلاك بلوك" .. "الوايت بلوك" أزمة وطن يصنع مجرماً ..

 
جماعات العنف "الاسود "أو "الأبيض" هي أولاً و أخيراً جماعات تضر أكثر مما تنفع و تؤجج أكثر مما تهدئ .. أجزم أن أغلبها من شباب فيه الطاقة و الحيوية و الحياة أكثر من أي فئة سنية أخري .. فليتقي الله في وطنه من كان كبيراً سناً أو مقاماً و يعرف أصحابها ولا ينصحهم .. إنهم مظلومين .. هم نتاج عصر ولد و ترعرع و شب لا يعرف إلا رئيساً واحداً رأي صورته "راعياً" لكل مجالات الحياة بدءاً من السياسة حتي الرياضة .. إنهم شباب كبر حتي تمكن من الإمساك بحجر فراح يعبر به عن غضبه علي كل مجتمعه .. حجارة المتظاهرين المحتجين هي رسالة شباب لم نقرأها حتي الآن ..
شباب هم مستقبل الوطن .. غاضبون .. ملوحون .. هاتفون ..منددون .. متحفزون .. ثائرون علي وضع غريب خرجوا إلي الحياة من بطون أمهاتهم ليعيشوا فيه تحت مظلة رئيس واحد طوال ثلاثة عقود كاملة لم يعرفوا فيه إلا رئيس واحد كانت مدارسهم بإسمه .. صوره في الجامعات و المعاهد .. ثم صوره في المكاتب الحكومية للمصالح و الوزارات التي فشلوا في الإلتحاق بإحدي وظائفها بعد أن إنتهوا من دراستهم و حصلوا علي مؤهلاتهم العليا ..
الحجر الذي يقذف به الشاب صوب قوات الشرطة لم يكن يوجهه صوب صديقه ضابط الشرطة أو جاره جندي قوات حفظ الأمن أو إلي واجهة محل ليحطمه و انما هو ..
ــ يوجهه الي رئيس القسم الظالم في مكان العمل الذي يعمل به - إن كان يعمل - حرمه من الحافز و المكافأة التي يستحقها ..
ــ يوجهه الي استاذ في قاعة درس اضطهده فقلل من درجاته التي يستحقها مع ان تلك الدرجات هي حق اجاباته الصحيحة في ورقة الامتحان ..
ــ يوجهه الي صاحب عمل يستنزف طاقته متعمداً و يحمله بمجهود عمل فوق قدراته البدنية لأنه متأكد انه لو طرده خارج باب محله فلن يجد عملاً بديلاً في مكان آخر ..
ــ يوجهه الي مسئول كبير في نظام الدولة يتعجب من غضبة الشباب و يسفه و يقلل من ثورة غضبه علي اوضاع حياته المعيشية و يدعو الشباب الحاصلين علي مؤهلات الدراسة العليا للعمل كأفراد امن يحرسون المنشآت و العمارات السكنية ..
ــ يوجهه الي والد فتاة احبها و اراد الارتباط بها فتقدم طالبا يدها من والدها فاذا به ينهره و يعنفه علي ضيق ذات يده المغلولة ..
ــ يوجهه الي مسئول الاسكان الذي تقدم اليه بطلب حجز مسكن فاذا به يخبره بضرورة الانتظار في طابور المتقدمين الطويل الواقف أمامه ..
ــ يوجهه الي كل من يقبض ملايين الجنيهات لقاء احراز الأهداف في لعبة كرة القدم او القيام ببطولة فيلم سينمائي , او عمولات اعلانات في الصحف و المجلات بينما منتهي امله ان يحصل هو علي بضع مئات فقط كل ثلاثين يوماً ..
ــ يوجهه الي ذلك الموظف الذي يطبق عليه قانون اشغال الطريق العام عندما ضبطه يبيع بعض المناديل ولعب الأطفال وضعها فوق قطعة خشبية علي رصيف احد شوارع وسط البلد في محاولة لكسب بعض الجنيهات بالطريق الحلال تساعده علي المعيشة بشرف و امانة, ولا يجد طريقاً امامه الا بدفع رشوة في صورة "اكرامية" ليستعيد بضاعته المحتجزة و يواصل العمل مرة ثانية علي الرصيف ..
ــ يوجهه الي المدرس الخصوصي الذي لا يرحمه و يصر علي قبض ثمن حصة الدرس قبل البدء في شرح المنهج ..
ــ يوجهه الي اصحاب السيارات الفارهة التي يتعدي ثمن الواحدة منها مئات الالاف تجوب الشوارع بأصحابها تحيط به في كل مكان بينما هو ينظر الي قائديها متعجباً من غرورهم بامكانيات تلك السيارات .. ذلك الغرور الذي قد يقتل عشرات من الواقفين منتظري سيارة هيئة النقل العام علي طريق المحور ..
ــ يوجهه الي تجار الأوهام يخدعون الشباب بحلم السفر و الهجرة خارج الوطن ليتم شحنهم في مراكب متهالكة ليلقوا حتفهم في عرض البحر بعيدا عن ارض الوطن الذي هجروه ..
اولئك و غيرهم هم الذين وقفوا بين الوطن و شبابه فجعلوه يعرض عنه و لا يفكر فيه و جعلوا امل كل شاب ان يهجر الوطن و يهاجر بعيداً عنه و لا يعيش علي ارضه ..
شباب الوطن عنده مشكلة علينا ان نتعرف عليها منهم و ليس من احد غيرهم .. ثم ندرسها .. و نشخصها لنعرف اسبابها و نتعاون جميعاً لنضع الحل الأنسب لها حتي لا يضيعوا منا .. فان ضاعوا منا فسيضيع مستقبل الوطن كله .. و لن يرحمنا التاريخ عندئذ ..
حجارة المتظاهرين .. كانت رسالة شباب لم نقرأها حتي الآن .. و لسوف يظل هذا الحجر في قبضة يد ذلك الشاب يبعث به رسائل سبق و أن أرسلها من قبل طالما لم تتحقق طموحاته و آماله في حياة كريمة حتي و لو في حدها الأدني ..
"البلاك بلوك" .. "الوايت بلوك" .. هي أزمة وطن يصنع مجرماً .. علينا أن ندرسها و نفحصها قبل أن "نقبض" عليها ليعرف أصحابها طريق السجن لأول مرة في حياتهم فيخرجوا منه مجرمين أصحاب سوابق بالصفة الرسمية ..

ليست هناك تعليقات: