26 ديسمبر 2012

وائل قنديل يكتب : فى بلاد الزند.. والهند والسند


ونحن منشغلون حتى النخاع فى مهرجان الزند والقضاة، نشر خبر صغير على استحياء عن اختطاف ثلاثة مسلحين لموظفة فى منطقة القاهرة الجديدة وتناوبوا اغتصابها هم وأصدقاؤهم على مدار عشرة أيام.

ولأن الأمة غارقة حتى أذنيها فى مولد الزند، ومختطفة لمتابعة أخبار الشهداء المزيفين فى هذا الزمان لم يتوقف أحد عند هذه المأساة، ولم تهتم الصحف بمتابعة الحادث، ولم يخرج علينا مسئول فى الشرطة ببيان أو تصريح عن هذه الفاجعة، والأخطر من كل ذلك أن المجتمع لم يغضب ولم يهتز بمقدار واحد على الألف من الاهتمام المصنوع بقضايا كونية مثل سب نجم فى سوق الدعوة التجارية لنجمة فى سوق الفن التجارى، أو قضية خدش زجاج سيارة نجم سينما، أو خربشة خد رئيس نادى القضاة.

وكأن المجتمع أصيب بعطب فى قيمه وأخلاقه، أو أن ضميره الجمعى تعرض لعملية ختان أفقدته القابلية للانفعال والغضب وجردته من قشعريرة الشعور بانتهاك آدمية الإنسان، أو أن العبث بدماغ المصريين ووجدانهم بلغ حدا لم يعودوا معه يتأثرون بنوازل أخلاقية تهدد عروشا وتنذر باقتلاع حكومات فى مناطق أخرى من العالم، نتهمها بالكفر والتحلل والانحلال القيمى.
وإليك ما جرى فى الهند خلال الأيام القليلة الماضية: ستة شبان اختطفوا طالبة جامعية تدرس الفيزياء حين كانت فى حافلة عامة مع زميلها، وبعد التخلص منه تناوبوا اغتصابها ببشاعة ثم اعتدوا عليها بالضرب وتخلصوا منها بين الحياة والموت.. فماذا حدث؟
آلاف المتظاهرين وبينهم عدد كبير من الطلاب تجمعوا أمام «باب الهند» المبنى الذى يعد رمزا للمدينة مطالبين بتعزيز أمن النساء ومعاقبة الذين اغتصبوا الشابة بالإعدام.
كما توجه المتظاهرون إلى مبان حكومية منها القصر الرئاسى حيث حاولوا اقتحام حاجز للشرطة لمتابعة مسيرتهم ما أدى إلى صدامات أسفرت عن إصابة عشرين طالبا بجروح.
واعتصمت مجموعة من المتظاهرين أمام مقر سونيا غاندى زعيمة حزب المؤتمر الحاكم فى الهند.
وقالت غاندى للمحتجين فى تصريحات نقلتها وكالة الأنباء الهندية «أنا معكم وسيتم إحقاق العدل» ثم توجهت لزيارة الفتاة المغتصبة فى المستشفى.. وبدوره تعهد رئيس الحكومة الهندية بسلسلة إجراءات فورية رادعة لجعل المدينة أكثر أمنا للنساء.. وأجبر غضب أعضاء مجلس الشيوخ فى البرلمان الهندى وزير الداخلية على تقديم بيان للمرة الثانية.
ولم ينقل عن وكالات الأنباء أن أحدا تساءل بغلظة «إيه اللى ركبها الحافلة مع زميلها» ولم يتحدث أحد عما كانت ترتديه أو يفتش فى نياتها، ولم يهرع المستثمرون فى المصائب إلى الشاشات ليطالبوا بانتخابات عاجلة لأن النظام فقد شرعيته.
هذا ما يحدث فى بلاد الهند والسند.. أما فى بلاد الزند فقد شاهت الوجوه وانسدت المسام وتبلد الإحساس، فصار الذين مثلوا بجثة الشهيد خالد سعيد ووصفوه بـ«شهيد البانجو» ونكلوا بشهداء الثورة فى التحقيقات وعلى الفضائيات زعماء ومتحدثين باسم حقوق الإنسان وكرامته.
اطلبوا الأخلاق ولو فى الهند.

ليست هناك تعليقات: