10 أكتوبر 2012

سترون بعيون احبتكن .. قراءة في رواية سأرى بعينيك يا حبيبي

بقلم نضال حمد
استلمت مؤخرا من الصديق الروائي الفلسطيني والأديب الكبير، المميز رشاد ابوشاور أحدث روايته بعنوان " سأرى بعينيك يا حبيبي" ، مع إهداء رائع من كاتب رائع. جمعتني ورشاد ابوشاور دروب النضال الوطني الطويل والشاق ، منذ قام ابوشاور بنشر أول مشاركة كتابية هامة لي ( كان عمري 19 سنة) أثناء حصار بيروت سنة 1982 في جريدة المعركة اليومية ، الجريدة التي صدرت عن اتحاد الكتاب العرب والفلسطينيين واللبنانيين أثناء الحصار الشهير، فكانت تلك مشاركتي الأولى، حيث تبعتها الثانية ونشرت أيضا من قبل رشاد ابوشاور. ومنذ  ذلك الوقت وبعد بيروت تعمقت وتطورت الصداقة والعلاقة مع أبي الطيب.وفي تلك الفترة من الزمن لم أكن حتى أحلم أو أفكر بأنني سوف أكون في حالة تشبه ببعض أوجهها حالة د. فوزي والصيدلانية سلمى زوجته وصديقة نجمة بطلة رواية : سأرى بعينيك يا حبيبي. التي سأتحدث عنها هنا..
كتب رشاد ابوشاور عددا كبيرا من الروايات والقصص والكتب،بالإضافة لمقالات في الصحافة العربية كنا ومازلنا ننتظرها كل يوم أربعاء لنتنفس هواءا طلقا ، هواء الحرية والكلمة الحرة والانتماء لكل فلسطين ولكل بلادنا العربية التي هي بلاد الأمة الواحدة. رشاد هذه المرة ليس هو رشاد الذي عرفناه في روايات : أيام الحب والموت ، البكاء على صدر الحبيب ، شبابيك زينب ، العشاق ، الرب لم يسترح في اليوم السابع .. هذه الأخيرة التي روت حكاية سفينة الرحيل من بيروت المحاصرة الى تونس.
تلك الروايات مجتمعة تناولت قضية الصراع مع العدو الصهيوني وواقع النضال الوطني الفلسطيني والعربي ضد الاحتلال وأتباعه ومناصريه من الشرق والغرب. و الانتفاضة الفلسطينية والمقاومة والفدائيين زمانا ومكانا ومكانة. و رواية سأرى بعينيك يا حبيبي غير شكل ومع هذا نرى فلسطين حاضرة في الرواية.
رواية سأرى بعينيك يا حبيبي شيء جديد يقدمه لنا الروائي الفلسطيني الذي يقيم في عمان بالأردن ، والذي  أقام في بيروت ودمشق وتونس ومدن عربية أخرى وفي مخيمات اللاجئين الفلسطينيين في سورية بالذات حيث كان مع أبطال روايته العشاق ، عشاق الثورة المستمرة. هذه الرواية تتحدث عن التحولات الاجتماعية الكبيرة التي شهدها الوطن العربي. وبالذات بروز التطرف الإسلامي عبر التيارات السلفية الجهادية. وكذلك اختلاط البدو بالحضر والفلاحين وتحولهم الى مجتمع جديد ، يتجمع سكانه في مكان واحد فرضته ضرورة التوسع والعمران ، عبر اختفاء الأراضي الزراعية التي كان يقيم ويرعى فيها البدو ماشيتهم.  يرصد الكاتب تمدد العمران واتساعه ووصوله الى تلك المضارب والمراعي. وتبدل أحوال الناس وكثير من رؤيتهم للحياة ومن عاداتهم وطرق عيشهم.ويظهر الصراع داخل هؤلاء الناس من خلال أبطال الرواية وأحداثها التي حبكت بطريقة تجعل القارئ يقرأ بلا توقف.
في هذه الرواية لم يحدد ابوشاور مكان أحداثها سواء في الأردن حيث يقيم أو في أي بلد عربي آخر كان أقام به بحكم العمل والانتماء للثورة الفلسطينية ، لكن أحداث روايته تنفع أن تكون شهادة عما يدور في كثير من البلدان العربية ، فالرواية تعبر عن واقع حال عربي تعيشه غالبية بلادنا العربية، الممتدة من المحيط الى الخليج.
 تبدأ الرواية عبر انتظار عائلة أبو حسن البدوية لولادة نجمة بطلة القصة، شقيقة حسن الذي أصبح فيما بعد شابا جامعيا متعلما ومستنيرا. وشقيقة عصام الأصغر منها سنا الذي صار فيما بعد محاميا محترما ورجل قانون أحبته منذ الصغر ابنة عمه وطفاء ، الشابة الشجاعة والمتحدية ، التي ستكون بطلة رئيسية في هذه الرواية. وهي بنفس الوقت شقيقة الشاب الشرس والمنافق، السيئ الطبع ، صخر ، العقيم الذي لا ينجب أطفالا ، الفاشل في المدرسة ، الذي يستغل ذكوريته في مجتمع ذكوري شرقي للوقوف ضد العلم والدراسة والحريات ولو بالحد الأدنى. ويتحول صخر فيما بعد وعندما يكتشف انه عقيم الى رجل منغلق على نفسه، ويكذب على زوجته وعائلته حين يذهب لفحص نفسه عند الطبيب تحت إصرار أمه ، ام صخر التي تهلكها الغيرة وكرهها لسلفتها أم حسن والدة نجمة زوجة صخر منذ رأت عيناها النور. وليكتشف انه عقيم. أما نجمة المسكينة ، ضحية العادات البدوية والشرقية منذ ولادتها طلبها عمها أبو صخر لابنه صخر، وما أن بلغت سن الرشد حتى تم تزويجها له ، للشخص الذي تكرهه وليس فقط لا تحبه، الشخص الذي أراد منعها من الذهاب الى المدرسة والالتقاء بصديقتها سلمى، الفلسطينية المتعلمة، صيدلانية المستقبل، التي تصاحبت معها منذ بدأتا المدرسة لأول مرة.
ذهب صخر الى الطبيب وفحص نفسه ليجد انه غير مجدي وعقيم لا يستطيع إنجاب الأطفال ليبدأ بعد ذلك التحول في حياة العائلة كلها عبر تسارع الأحداث وتحول صخر الى إنسان كذاب و شخص لا يطاق،ومن ثم سلفي متطرف، جاهل في الدين، يأخذ منه فقط ما يراه مناسبا. ويتصدى بطريقة فظة لشيخ وإمام المسجد الذي جاء ليتحدث معه بموضوع نجمة وظلمه لها. صخر هذا كان عكس شقيقه سعيد الذي كانت نجمة تميل له أكثر وتشعر معه بالراحة وخفقان القلب، هذا في بداية رحلة العمر.
بعد أن صارت نجمة صديقة حميمة لسلمى في المدرسة والحارة أخذت بالتردد على منزلها بشكل دائم مما ولد علاقة حب، حب عذري وليس بيولوجي بين سامي شقيق سلمى ونجمة. من خلال نجمة تعرفت سلمى وكذلك سامي على وطفاء الشقيقة الأصغر لصخر، والتي كانت ترغب وتتمنى ان تتعلم في المدرسة وتفك الحرف وتقرأ الجرائد والمجلات، التي كثرت عند سلمى ونجمة. ساعدتها في ذلك ابنة عمها نجمة ، وابن عمها عصام الذي كانت تعشقه دون علمه، فيما كان هو يحبها كشقيقة وابنة عم ولا يرى فيها شريكة حياة وقلب. ولوطفاء وصخر وسعيد شقيقتان تزوجتا مبكرا ونقلتا الى البادية يبدو أن الاتفاق كان مسبقا بين والدهما وأقرباء لهم من البادية ، ومنذ ذلك الوقت لم تعد هناك اتصالات وعلاقات بين الأشقاء.  وتظهر الرواية كيف تفككت الأسرة عبر غياب ونسيان الشقيقتان.
  يتنبأ الراوي بفشل زواج نجمة وصخر خاصة انهما مختلفان تماما وان والد نجمة رضخ للعادات والتقاليد ولضغط شقيقه الأكبر ووافق على إخراج نجمة من المدرسة وتزويجها وفقا للاتفاق المبرم مع الشقيق الأكبر منذ ولادتها.  ونجمة الرعيان الجميلة التي تميل الى سعيد أكثر من شقيقه صخر شكت همها لوالدتها. حيث نجد في الصفحة (46) حديث نجمة مع امها :" هما يا أمي شقيقان، من بطن واحد كما تقولين، لكن انظري كيف يختلفان!". وتجيبها الأم التي فهمت ميلها الى ابن عمها سعيد : " البطن بستان يا ابنتي ، وفي ارض البستان ينبت الشوك والزهر...".
 لم تنفع وساطات مديرة المدرسة ولا المعلمة زينب التي حضرت الى منزل نجمة وتكلمت مع والدتها ام حسن لان والدها ابو حسن كان خارج المنزل، تكلمت وكلها أمل في تغيير قرار العائلة. لكنها لم تنجح فالعم أبو صخر وابنه صخر وأم صخر يعتبرون العلم والمدرسة والجامعة مضيعة للوقت وكلاما فارغا، وان البنت خلقت لتخدم بيتها وزوجها. وبما ان نجمة صارت ملكهم عليها إذن أن تكون في البيت وتخدم زوجها صخر وعائلته. لم تنجح المعلمة زينب في قضية نجمة لكنها التقت في تلك الزيارة بنجم آخر هو حسن شقيق نجمة، الشاب الوسيم والمثقف الذي كان يدرس في الجامعة ، والذي ارتبط بعد هذا اللقاء بزينب وتزوجا وسافرا فيما بعد الى دولة خليجية لبناء مستقبل أفضل.
بعد ذلك تزوجت نجمة من صخر وعاشت في دار عمها وتحملت نكد وغيرة وكره امرأة عمها أم صخر لامها أم حسن. وتحملت أيضا تخلف وجهل وشراسة صخر.  لكنها كرست وقتا كبيرا لمساعدة وطفاء في الدخول الى المدرسة ومواصلة العلم في الجامعة. لكن صخر الذي اكتشف انه عقيم ولا ينجب وأخفى ذلك عن الجميع،واتهم زوجته نجمة بعدم القدرة على الإنجاب ، مدعيا انه سليم ومعافى، والذي تبدل وتغير نحو الأسوأ، ثم اختفى لسنوات دون أن يعرف احد من العائلة أين هو، ليعود فيما بعد بلحية طويلة ولباس غريب وعقلية أكثر تحجرا وتخلفا. أراد وقف مسيرة وطفاء في المدرسة ومنعها من تكملة دراستها الجامعية مع أنها تلميذة مجتهدة وذكية وناجحة. أراد إطفاء شمعتها تماما كما أطفأ نور نجمة ابنة عمها ومعلمتها وصديقتها. لكن وطفاء واصلت مسيرة العلم ولم تأبه بضربه لها أمام الجيران بعد أن أصبحت أستاذة جامعة ، ولا محاولته طعنها بخنجر أمام السكن الجامعي ، ولا بإرساله جاهل ومتطرف ومتخلف مثله ليقذفها بماء النار الحارقة ليحرق وجهها ويطفئ نور عينيها التي رأت فيهما وجه حبيبها الدكتور يونس الأكاديمي المتخرج من جامعات بريطانيا.
 في خضم أحداث الرواية يسافر سامي شقيق سلمى الى ألمانيا وتسافر فيما بعد سلمى إليه لمواصلة تعليمها الخارجي، يتزوج سامي من فتاة ألمانية وينجب منها أطفالا ، ثم يفترقان ، وتتزوج سلمى من د فوزي صديق شقيقها سامي وتنجب منه زينب ومحسن. وتقرر سلمى مع زوجها ان تعود هي والأطفال بعدما كبروا لكي ينقذوهم من الزواج بأجانب ( ص.261 )، وهذا الهوس كان يرافق الوالد د. فوزي زوج الصيدلانية سلمى. حتى يواصلوا تعليمهم في البلاد ولكي يستقروا فيها. لكن تواجه الطفلين في البلاد الجديدة مشاكل كبيرة، إذ لم يستطع محسن وفيما بعد شقيقته زينب التأقلم في بلاد الآباء والأجداد. وكأن لسان حالهم يردد مع المعري "هذا ما جناه على أبي وما جنيت على احد".
 تأتي ساعة الصفر حين يشاهد محسن وزينب متطرفا بلحية طويلة ودشداشة بيضاء يستل خنجرا ويقوم بذبح فتاة وشاب عاشقين كانا يجلسان في نفس المقهى. يُسرع هذا في عودة محسن الى ألمانيا بطريقة نترك للقراء معرفتها من خلال قراءة هذه الرواية. ثم تلحقه شقيقته زينب بموافقة الوالد والوالدة. فيما الخال سامي يستقر في البلاد، ويبحث عن حبه الطفولي القديم ، عن نجمة الرعيان. أما نجمة فترفع دعوة خلع من صخر الذي غاب عنها 5 سنوات متواصلة دون أي خبر وأي علم، والذي كذب عليها 18 عاما بادعائه انه سليم ومعافى وهي التي لا تنجب. في حين وبمساعدة سلمى ذهبت نجمة الى الطبيبة وأجرت فحوصات طبية اثبت النتائج أنها صاحبة رحم خصب وسليم. في المحكمة وعبر محامية هي صديقة أو حبيبة شقيقها المحامي عصام رفعت الدعوى وكسبتها وتم خلعها من صخر. الذي تبين انه كان متزوجا عليها بالسر من امرأة أخرى من تياره وجماعته، لكن هذه المرأة أنجبت له ولدا حرام.
  يختفي صخر وتتحرر وتعود نجمة الى سامي ، و وطفاء التي تحدت الخوف وهمجية شقيقها صخر ترتبط مع د. يونس بعد نجاحها في الدفاع عن أطروحة الدكتوراه التي ناقشت تحول حياة البدو أو بالضبط عن المرأة بين الريف والبادية. يعيد عصام بموافقة حسن اعمار بيت العائلة علامة على هدم الماضي والبدء من جديد مواكبة لتطور الحياة.
رواية رشاد ابوشاور سأرى بعينيك يا حبيبي رواية حديثة تحاكي واقع حال العرب والمسلمين في زمن عربي وإسلامي صعب، لأنه زمن أرهبة الدين وإرهاب العباد.
أيها الشباب لا تدعوا هذه الرواية تفوتكم
أيتها الصبايا لا تفوتن فرصة قراءتها
 
نضال حمد :مدير موقع الصفصاف
 

ليست هناك تعليقات: