18 سبتمبر 2012

كل هذه العنصرية ؟ - بقلم محمد سيف الدولة



لا يمثل الفيلم المسىء للرسول عيه الصلاة والسلام الا عدوان عنصري وطائفي جديد على شعوبنا ومقدساتنا وكرامتنا الوطنية .
 سبقه بعدة أيام عدوان كبير ومهين آخر ، حين اكد الرئيس الامريكى اوباما اعتراف الحزب الديمقراطى الامريكى بالقدس عاصمة لاسرائيل بالمخالفة لكل الحقائق التاريخية و المواثيق الدولية . وكأنها سلعة رخيصة فى سوق ومزاد الانتخابات الرئاسية الامريكية .
 ومنذ عقود طويلة لم ينقطع العدوان بكل صوره واشكاله بدءا بدعم نظام مبارك واحتلال افغانستان والعراق و جرائم سجون ابو غريب ودعم الاحتلال الصهيوني وجرائمه و التمثيل بجثث المواطنين الافغان والتبول على جثثهم  و استهداف كل ما هو عربى او اسلامى بعد 11 سبتمبر 2001 التى مازالت محل ريبة وشك الى يومنا هذا. وما زلنا نتذكر جريمة قتل مروة الشربينى فى المانيا وما ذكره محامى المجرم القاتل فى دفاعه بان موكله هو ضحية بيئة عامة معادية للعرب وللاسلام وللمسلمين ...

هذا بالاضافة الى التحقير الدائم لكل خلق الله فى افلامهم السينمائية ومنابرهم الاعلامية ، التى صنعت لكل منا صورة كاريكاتيرية ساخرة مثل المصرى البدائى عند الاهرامات ، والعربى والجمل فى الصحراء، والاسيوى الابله ، والافريقى المتخلف ....الخ . ليظل الغرب هو الجنس الارقى والاعلى الوحيد ، تمهيدا وتبريرا بطبيعة الحال لحقه المقدس فى السيادة على الجميع و استعمار واستعباد كل بلاد العالم .

انها ذات النظرة العنصرية الاستعلائية التى سادت منذ عدة قرون ، لم تتغير ، الا فى طريقة تناولها وتقديمها بشكل يتناسب مع ظروف كل عصر :

فمنذ ما يقرب من مائة عام ، كتب اللورد كرومر المندوب السامى البريطانى واصفا مصر والمصريين والعرب والمسلمين وكل شعوب الشرق : (( ان الدقة كريهة بالنسبة للعقل الشرقى .. والافتقار الى الدقة ، الذى يتحلل بالسهولة ليصبح انعداما للحقيقة، هو فى الواقع الخصيصة الرئيسية للعقل الشرقى .)) أما (( الاوروبى ذو محاكمة عقلية دقيقة ؛ وتقريره للحقائق خالي من أى التباس؛ و هو منطقى مطبوع، رغم انه قد لا يكون قد درس المنطق؛ وهو بطبيعته شاك (يشك) ويتطلب البرهان قبل ان يستطيع قبول حقيقة أى مقولة؛ ويعمل ذكاؤه المدرب مثل آلة ميكانيكية. أما عقل الشرقى فهو، على النقيض، مثل شوارع مدنه الجميلة صوريا، يفتقر بشكل بارز الى التناظر. ومحاكمته العقلية من طبيعة مهلهلة الى أقصى درجة.

اما لورنس "العرب" فكتب فى مذكراته ما يلى (( كان فى نيتى ان اصنع امة جديدة، ان أعيد الى الوجود نفوذا ضائعاً، ان امنح عشرين مليونا من الساميين الأساس الذى يمكن ان يبنوا عليه من فكرهم القومى قصر أحلام ملهما. ولم تكن جميع الأقاليم الخاضعة للإمبراطورية لتساوى لدى صبيا انجليزا واحدا ميتا...))

ولقد انتقد جون هوبسون فى كتابه "الجذورة الشرقية للحضارة الغربية" نظرة الغرب الاستعلائية عن الشرق وباقى شعوب الارض ، وكيف يضعهم فى مكانة متدينة تبرر استعماره واستعباده لهم : فالعقل الغربى يرى نفسه : ديناميكى وعقلانى وعلمى ومبدع ومنضبط ومنظم وعاقل وحساس وعقلانى ومستقل وعلمى وابوى وحر وديمقراطى ومتسامح وامين ومتحضر ومتقدم معنويا واقتصاديا ...الخ

بينما الشرق وثنى مراهق نسوى منحط اعتمادى لا مبال متخلف وجاهل ، سلبي لاعقلاني مؤمن بالخرافات والطقوس ، كسول مشوش غريب الاطوار فطرى أحمق عاطفى ذو توجه جسدى غريب ومنطو ، طفولى وتابع وغير عملى ومُستَعبد ومستبد وغير متسامح وفاسد ومتوحش وغير متمدن ومتاخر معنويا وراكد اقتصاديا .

***

وهكذا يجب ان ندرك ان جريمة الفيلم الاخيرة ليست سوى امتداد لثقافة عنصرية حكمت علاقة الغرب الاستعمارى بباقى العالم على امتداد قرون طويلة ، وكنا نتصور انها انقرضت وزالت مع انتشار افكار المساواة وحقوق الانسان التى يملأون بها العالم ضجيجا كل يوم .

وهى ليست مجرد ثقافة وافكار ، بل هى مصحوبة باعتداءات عسكرية استعمارية لا تتوقف ، على سيادة الأمم والشعوب وكرامتها الوطنية ومقدساتها الدينية .

وحين نواجه هذا العدوان والعنصرية بالرفض والغضب ، يشنون علينا حملات تشويه باننا لسنا متحضرين واننا متطرفين ومتشددين .

فرغم ان كافة التيارات السياسية بكل رموزها رفضت وادانت ، فى الازمة الاخيرة ، وعن حق وبصدق ، كل مظاهر العنف والقتل والايذاء التى تخللت المظاهرات السلمية ، الا اننا فوجئنا ان المنابر الاعلامية الامريكية والغربية بل وعديد من المصرية والعربية ، غيرت اهدافها و بوصلتها من التركيز على ادانة الفعل المسىء والجارح لكبريائنا الوطنى والدينى الى التركيز على ادانة ردود الفعل الغاضبة . فتركوا الفعل الاصلى وركزوا على رد الفعل ، على غرار ما كان يحدث معنا على الدوام ، مع كل احتلال او عدوان جديد فى مصر او فلسطين او لبنان او العراق او غيرها ، لنصبح نحن فى النهاية المعتدون المتخلفون الارهابيون ...الخ

ان مظاهرات الغضب ستنفض وتنصرف خلال ساعات او ايام قليلة ، ولكن ما يجب ان يتبقى من الازمة هو العمل على عدم تكرارها مرة اخرى ، العمل على عدم تكرار الاساءة والعدوان والعنف بكافة اشكاله ، مع افشال الهدف الاصلى الساعي الى شق الوحدة الوطنية المصرية ، مع ابلاغ رسالة واضحة الى الجميع ان مصر قد تغيرت وان الراى العام الشعبى بكل تنوعياته ومرجعياته قد اصبح طرفا اصيلا وفاعلا فى بناء كل السياسات والخيارات القائمة والقادمة ، وانه لن يقبل احدا بعد الآن ، بعد الثورة ، اى مساس بكرامته الوطنية او بمعتقداته الدينية ، اسلامية كانت او مسيحية .

ليست هناك تعليقات: