13 سبتمبر 2012

"الترويكا" الحاكمة في تونس الانحدار القيمي ماذا؟ والي أين؟


شبكة البصرة
يوغرطة السميري - رجيش - المهدية
لم يدع الحراك الشعبي العربي منذ انطلاقته في تونس و امتداده المجالي عربيا مجالا للشك في تأسيسه لحالتين هامتين في فهمهما يحقق المجتمع العربي بصيغتيه القطرية الخاصة أو القومية عامة انطلاقته علي طريق الاقلاع :
أ‌) الحالة الأولي :نهاية عصر النخب المسيطرة و المهيمنة و المتحكمة في مصير الشعوب.. كنتاج لانتشار التعليم و تعميم الثقافة و سرعة انسياب الأفكار و القيم اعتمادا علي التطور التكنولوجي و المعلوماتية التي حولت المجتمعات إلي مراكز استقبال و انفتاح علي العالم الخارجي من ناحية ومن ناحية أخري إلي مجتمعات مدركة وواعية لذاتها و لدورها.. مما أفقد الدولة التقليدية (بمختلف مكوناتها الفرد/الحزب الواحد/العائلة/النخبة) مقوماتها الشرعية/المعنوية في الاستمرار (سلطة القيادة/تنظيم المجتمع/توزيع الخدمات). إذ لم تعد الهياكل المتعارف عليها (الدولة المؤسسة ـ الأحزاب) في نظر المجتمع أكثر من سلطة ينحصر دورها في تهيئة المجتمع لتنظيم نفسه و إشراكه في عملية صنع السياسة و قيادة المجتمع و الدولة و المؤسسات.
ب‌) الحالة الثانية : احداث تحولات هامة في صفات العقل ألعربي الذي أصبحت صفة العقل السياسي الإيديولوجي الإخباري الخطابي السمة الأساسية له... سمة غيبت العقل العربي المستند الي الرؤية العميقة المستندة الي تاريخية أي ظاهرة بأبعادها الانسانية الخاصة أو العامة بما يجعل من الحالة الأولي و ما تطرحه من اضاءات لا تحقق التحول في هذا العقل باتجاه العقل الفلسفي الذي يعمل علي تطوير القيم من خلال ما ينضح به في تفاعل مع الواقع من اضافة بصيغة العصر... ليصبح عقلا مرتدا بالرؤية من ناحية و منحرفا خطابا و سلوكا من ناحية ثانية. حالة أشرها الانحدار القيمي بمفهوم توزيع الأدوار " للترويكا " الحاكمة في تونس بصيغة المرحلة الانتقالية و العاملة علي جعلها حقيقة ممتدة زمنيا يجعل من المتابع لا يتردد في طرح السؤال لماذا هذا الانحدار القيمي؟ و الي أين؟

1) "الترويكا" الانحدار القيمي لماذا؟
تقدم "الترويكا" الحاكمة في تونس نفسها علي أنها تحالف "اسلاموي ـ ليبرالي " يحمل مشروعا متكاملا للإقلاع بالبلاد و يقطع مع ما كان سائدا فيها... متجاوزة في ذلك هدف العملية الانتخابية الذي يتقصد وضع دستور للبلاد في فترة زمنية مدتها سنة من تاريخ اجراء الانتخابات حتي تستعيد الدولة توازنها بتحديد الحقوق و الواجبات سواء المتعلقة بالأفراد أو المؤسسات أو الهياكل المتفرعة عن حركة المجتمع لتحويله بموجب ما أفرزته العملية الانتخابية الي هدف ينحصر في الوصول الي السلطة التي تحولت في ظلها الي غاية تتوزعها محاصصة فيما بينها و تعمل علي تثبيتها واقعا في مختلف مفاصل الدولة و المجتمع تحت يافطة شرعية مطعون فيها تفسيرا... و لنفترض جدلا من أن الأمر يقع في ظل شرعية حقيقية نتاج الانتخابات التي استهدفت وضع دستور فهل تبرر هكذا شرعية ما هو مفعل بصيغة استباق الزمن قصد الاستحواذ من قبل " الترويكا "؟ و هل من يمتلك مشروع اقلاع بالبلاد في حاجة لممارسة الاستحواذ أم ممارسة تصريف المشروع بما يجعل الوضع الاجتماعي و الاقتصادي و السياسي عامة و الشارع أساسا يتجه نحو نقاش المشروع و التعاطي معه اما استحسانا أو نقدا و بما يقطع مع ردود الأفعال التي تصل حد الغرائزية التي عمت خطاب و فعل العديد من الأطراف في الساحة الوطنية... ان المحافظة و تعميق السلوك الغرائزي كما يكشفه الخطاب السياسي في البلاد اعلاما و نقاشا شعبيا يؤكد و بعد مرور أكثر من ثمانية أشهر غياب المشروع من ناحية و من ناحية ثانية من أن التحالف ما هو الا تحالف مصالح لمجموعات لا يمكن توصيفها بأي شكل من الأشكال بتحالف أحزاب.
و حتى لا يفهم الكلام علي أنه نوع من أنواع تتبع أخطاء الآخر بمفهوم المحاسبة و ان كان ذلك حق من حقوق المواطنة بشكليها السياسي و الشعبي العام التي تري للقطر و الوطن و للشعب عامة واجبا عليها نحوهم يتجاوز حقوقها عليهم باعتبار أن الواجب هذا غير قابل للنقاش مقابل حقوق ثابتة و أخري متحولة طبقا للوضعية التي يكون فيها القطر أو الوطن ككل... نقول " للترويكا بمكوناتها" نفس الحقوق و عليها نفس الواجبات و هي أكثر الأطراف المطالبة التقيد بذلك لإحداث النقلة المطلوبة في المجتمع عامة و في علاقتها بالمكونات السياسية التي أفرزها الحراك الشعبي في القطر بصيغتها الرسمية و ان كانت سابقة لها فعلا نضاليا و تحملا لأعباء الاضطهاد تاريخيا...و ذلك بتوظيف ما توفره السلطة لها من القدرة علي الاستنتاج و الرؤية السليمة الشاملة و لو في حدها الأدني بمفهوم التساوي في الاستنتاج و التصور مع مستوي المثقف أو الشارع عامة لا بل الانحدار الي ما دون رؤية الشارع في تعاطيها مع الملفات القطرية المفتوحة تحت ذرائع و حجج تجعل من المواطن يستشعر من أن الحراك الشعبي لم يفضي الي حالة جديدة بقدر ما كان في نتائجه صيغة من صيغ "تسليم المفاتيح" من طرف "استهلك " الي طرف " صنع حسب جملة مقاييس لا تخدم مصلحته بقدر ما تخدم مصالح الأطراف المصنعة لهذا المستلم الجديد" من ناحية و من ناحية ثانية و خاصة في الملف الخارجي مغادرة القيم الموروثة بالرغم مما يلفها من سلبيات و اعتراضات لتتعاطاه بطريقة أكثر انحرافا و تبعية لا تغييب استقلالية القطر فحسب ونما تلحق بالقطر و الشعب أذي معنويا يصل حد الاستفزاز لمكوناته...مثلتها عدة محطات بائنة لا يكفي توصيفها و انما التشهير بها لما تمثله من انحدار قيمي آثاره غير محسوبة العواقب يتحمل حزب النهضة الاسلامية تبعاتها أساسا و المتحالفين معه اتكالا من الليبراليين (التكتل لصاحبه مصطفي بن جعفر و المؤتمر لصاحبه المنصف المرزوقي) الذين لم يترددوا هم ذاتهم في البحث عن مادة تسمح للناس و الاعلام التكلم عليهم من ناحية و من ناحية ثانية تقديم فروض الطاعة لحواضنهم الرئيسية فكان القوميون المادة المختارة (رغم تناقض ذلك مع ما يرفعونه من مفاهيم حداثة) في قراءة منسجمة مع الواقع المعاش و ان كان ليس جديدا اعلاما و توجها غربيا ومزيدا من استعطاف المتكل عليه (النهضة) بصيغة الارضاء و التمكين المصلحي من ناحية و من ناحية ثانية توزيع الأدوار بين مكونات "الترويكا " تحسبا للاستحقاقات القادمة (تفرغ النهضة لاستكمال عملية الاستحواذ علي الدولة و المؤسسات) و النقاش الاعلامي مع اليسار الأممي بما يزيدها تقدما باعتبار المثار من قبلها من مواضيع ذات علاقة بالمقدس في مجتمع لا يقبل فيه أي نوع من أنواع الاجتهاد بحكم درجة الوعي و حداثة الظاهرة بصيغتها الشعبية علي أن يكفي الليبراليون (النهضة) مسألة القوميين الذين يحترمون المقدس رؤية و سلوكا و يستخدمونه موروثا بصيغة المثال في روحيته التي حكمت فعل الأجداد و ان اختلفوا توظيفا له بصيغة العصر عن النظرة المتدحرجة للوراء التي تطرحها النهضة مقابل الليبراليين الذين يمارسون مفهوم التغريب مما يجعل هكذا استهداف بصيغة النقاش يعود في محصلته لفائدة (النهضة)... محطات انحدار قيمي نجدها علي مستوي الملفات الداخلية كما هي مؤشرة بائنة في الملفات الخارجية يمكن جمعها في ما يلي :
أ). الملف الداخلي :
*). العودة الي سياسة سلطة "الجنرال بن علي" التي أسقطها الحراك الشعبي في تعاطيها مع مسألة الحريات و حق المواطن في المطالبة بالعمل و توفير مستلزمات العيش في حــدودها الدنيا "كالماء " من خلال التدخل السافر في شؤون القضاء بإتباعها أسلوب القضاء الموجه في التعاطي و الأحداث المترتبة علي ذلك و التي لامست عديد الجهات بالبلاد بالزج بالمطالبين بهذا الحق في محاكمات... الهدف منها ليس البحث عن الحلول و انما توجيه النقاش من الاختناقات التي يعيشها المواطن الي نقاش جانبي ينحدر بسقف المطالبات من تحسين ظروف العيش الي اطلاق سراح المعتقلين بسبب المطالبة بذلك.
*). العودة الي ذات الأساليب التي كان يمارسها الهيكل الحزبي ـ التجمع المنحل ـ الذي اعتمدته سلطة "الجنرال بن علي " في محاصرة المجتمع بالعودة الي الوشاية و كتابة التقارير ومسألة الترهيب الرخيصة.
*). خلق أعداء وهميين تستهدف من خلاله قسمة النسيج الاجتماعي بتحريك الخطاب الذي يستهدف مكونات سياسية فاعلة اجتماعيا القوميين خاصة لإيجاد مرتكزات لطائفية سياسية بعد فشل الطائفية الدينية التي ركزت في النقاش علي قسمة المجتمع بين "كافر و مسلم" عبرت عن نفسها من خلال محطتين :
• التشهير و الشيطنة المجانية التي مارسها المنصف المرزوقي و هو رئيس الجمهورية لهامات عربية بمستوي صدام حسين و عبد الناصر متناسيا المكانة التي يحضي بها كل من الرمزين في المخيال الشعبي اعتزازا و تقدير تعبيرا عن عقدة الآنا التي تحكمه و تسويقا ممجوجا لنفسه في لقاء له بالشباب العربي الذي كان ضيفا علي البلاد في ملتقي له دوريا.
• :التشهير و الاتهام بالتطرف للقوميين من قبل مصطفي بن جعفر في لقاء صحفي له بالنمسا مؤخرا...

ب). الملف الخارجي :
• تسليم بمفهوم المقايضة للاجئ سياسي "السيد المحمودي"... الذي تحكم ظروفه قوانين و لوائح قانونية تتجاوز ما هو قطري و قومي الي ما هو عالمي... دون اعتبار لما هو قيمي يؤشره ديننا الحنيف و موروثنا الحضاري بصيغته الاجتماعية ان تسليم اللاجئ حركة مدانة عالمية فما بالك واذا كانت طريقة التسليم خضعت لمفهوم المقايضة... و هو ما يكشف مستوي التدني لا السياسي فحسب و انما الأخلاقي للقائم به... و من لا أخلاق له لا يمكن ائتمانه علي وطن فاذا كان نظام الجنرال الهارب يوصف بالمافيوزية بناءا علي اقتران الفعل السياسي لديه بالبزنس بمفهوم الصفقات و تبيض الأموال المنهوبة فحركة النهضة تود التأسيس لمفهوم نظام تقترن السياسة عندها بالعبودية (المتاجرة بأرواح الناس) دون اعتبار للقيم...
• مسألة الانخراط العلني ماديا و اعلاميا و سياسيا فيما يتعلق بالحراك الشعبي العربي و في أكثر من ساحة (الليبية في حالة أولي) و الساحة السورية حاليا بمفهوم الحركة المتذيلة خطابا و فعلا لفائدة جهة علي حساب جهة مستخدمة الدين الحنيف بصيغة معكوسة و مناقضة لروحه و بصيغة تجاوزت في اصرارها و حقدها حتي أعداء الأمة مستخدمة أبناء القطر استخداما منحرفا مستغلة فيهم وضعيتهم المادية أي فقرهم و حاجتهم للحياة لتحويلهم الي مرتزقة في عصابات مجرمة تحت شعار " الجهاد لتأسيس دولة الخلافة السادسة كما بشر بها ـ حمادي الجبالي ـ رئيس ما يسمي بالحكومة التونسية في هذه المرحلة الانتقالية...بدل التفكير الجدي في البحث عن مخارج عملية لما تعيشه البلاد من انهيار اقتصادي و اجتماعي داخليا و الانحياز خارجيا الي السياسة التي تجنب القطر خاصة و الوطن العربي عامة أن يكون محل استهداف بصيغة اصطفاف هنا أو هناك بما يخدم مصالح قوي دولية علي حساب الأمة العربية.
• التملص المشترك للترويكا من مسألة التطبيع مع الكيان الصهيوني في مغاردة نهائية لما يفرضه الانتماء القومي لتونس.
انحدار قيمي يطرح التساؤل الي أين؟

2) "الترويكا" الانحدار القيمي الي أين؟
اذا كانت "الترويكا" الحاكمة في تونس تتكون اعلاميا من ثلاث أحزاب بصيغة تحالف (حزب النهضة الاسلامية و حزب المؤتمر و حزب التكتل) فالحقيقة التي يعرفها المتابع و المؤشرة خطابا شعبيا هو أن "الترويكا" تتكون من حزب واحد هو (النهضة) و حالتين اتكاليتين باعتبار أن كلا الطرفين الليبراليين لا يمكن اعتبارهما أحزاب فهما أقرب الي مجموعات عمل سياسي تعتمد جملة أفراد يفتقدون لكل ما يتطلبه الحزب من رؤية بمفهوم المشروع و الهيكل الترتيبي التنظيمي و حالات الشرذمة و الانشطار التي تعيشها تعبيرا علميا علي ذلك... من هنا يمكن القول من أن مختلف هذا الانحدار القيمي يتحمل وزره حزب النهضة الاسلامية سواء كرؤية أو كتصريف ميداني... و حتي لا يقال من أن مثل هذا الكلام يقصد منه التشهير بهذا المكون السياسي المتصدر لقيادة المرحلة الانتقالية و نوع من أنواع الحقد السياسي... نقول لمن يمكن أن يخامره هكذا تصور الإسلام كعقيدة دينية عامة تختزن قيما عليا تعج بالمعاني الإنسانية السمحة الثابتة و القادرة علي إنتاج كفاءات فكرية و اجتماعية مبدعة تفتح أبواب صياغات متنوعة لأديولوجيا سياسية متجاوزة لحالات الانغلاق التاريخي للمجتمع العربي عامة و المجتمعات القطرية و تونس خاصة باعتبار خلوها من كل المظاهر الطائفية سواء دينية أو اثنية...غير أن الأسلمة السياسية "وحركة النهضة الإسلامية بتونس..حالة منها " حركة كشفت وبالشكل الغير قابل للدحض أنها غير قادرة بل عاجزة علي تجسيد ذلك... باعتبار كونها لازالت :
أولا : ضائعة بين الدين و السياسة.
ثانيا : بين ما هو ذاتي صرف يتعلق بها كمكون سياسي خاص و بين ما هو موضوعي جامع.
ثالثا : بين قيادة مؤسسات دولة و مجتمع أسقط جدار الكبت ليتحرر من عقدة الخوف و هاجس الحرمان يزخر بوطنيته و بالهياكل المنظمة لذلك وبين التصرف بعقلية قيادة جماعة تشترك فيما بينها في تصور ما تعتبره " تنزيلا من الرحمان " علي المجتمع و المكونات الأخرى الايمان به و تركها تضع حبلها علي غارب الدولة و المجتمع بصيغة مفتوحة في الزمان و المكان.
ضياع كشف رداءة مستوي تصديها في قيادة عملية التغيير و هي بعدها في مرحلتها الانتقالية... لا فقط باعتبار ما كان قائما و إنما حتى مقارنة مع الأحزاب الوطنية والقومية التي وجدت نفسها في هكذا موضع خلال عقود ما بعد الاستقلال في الواقع العربي بصيغة المقارنة العامة... و ان كان هذا الموضوع متداول و مطروح سواء بصيغة النقد المتزن أو بصيغة النقد الذي لا يخلو من ردة الفعل... ضياع بلغ درجة من الانحطاط التي لم تعد تؤشر حالة شاذة بل مرضية حد درجة اعتبارها صيغة من صيغ العصابات المدانة اجتماعيا و أخلاقيا لا تخص هذه الحركة في حد ذاتها بقدر ما تنسحب في نتاجها علي الشعب و القطر عامة... و بما يخلق حالات يصعب التحكم في مساراتها و نتائجها.
09/09/2012
d.smiri@hotmail.fr

ليست هناك تعليقات: