20 أغسطس 2012

التصفيق لنتنياهو ليس كافياً لجلب سلام لإسرائيل - نازك ضمرة



 بقلم : نازك ضمرة
نورث كارولاينا -امريكا
أظن أن غالبية الشعب الأمريكي لا يحبون اليهود، ولا يحبون العرب طبعاً  وإضافة إلى ذلك  ينفرون من الغرباء ومن القبح ومن غير المسيحيين في دواخلهم أو لا يتقبلونهم، لكنهم يحبون المال حباً جماً، ويحبون الجمال والأناقة بعد المال وسحر الشخصية والتاريخ، ولذا يستقطبهم الجمال والمواقع الأثرية والآمنة، بل تستجذبهم للسفر لها وبتضحيات مادية للوصول لها، وبجانب ذلك على جناح بعيد يعمل الصهاينة ليل نهار بحثاً عن هيكل مزعوم قرب الحرم أو أسفل منه، أو في أي مكان في القدس، فعندما عجزوا عن إيجاد أثر واحد في فلسطين يثبت ادعاءهم بحضارة يهودية قديمة لهم فيها وتراث مزعوم، تتركز كل قواهم وأفكارهم وأعمالهم على خلق أثر أو تراث ديني في القدس، ولو صناعة وادعاء وبناء، لأسباب كثيرة، لكن أهمها جذب السائح الغربي والأمريكي بالذات، لزيارة معلم يهودي يبتغونه خالداً وفريداً، ومن هنا إصرار إسرائيل على عدم الانسحاب من القدس الشرقية لأن الديانات السماوية الثلاث ترعرعت بها وتخلدت، لكن الصهاينة يريدون القدس لهم فقط، ولتصبح مهد الديانة اليهودية وحدها، لأنها لوعادت القدس الشرقية للفلسطينيين فقلة سيزور إسرائيل؟؟!!.... ، ومن سيعوض إسرائيل عن مئات الملايين من الدولارات سنويا كدخل من السياحة من قبل المسيحيين واليهود والمسلمين، فالقدس كنز عظيم متعدد المزايا، عدا عن كونها أرض قداسات للديانات السماوية، لكنها ستظل مصدر دخل لانهاية له، وأفضل ألف مرة من بئر بترول غزير لا ينضب معينه.
مجلس النواب في بريطانيا بجزئيه، واللوردات هم نواب الصفوة، ومجلس الشيوخ في الولايات المتحدة، هم نواب الصفوة أيضاً، ومن الأغنياء والوجهاء والأجناس المهمة، فحين صفق الكونغرس طويلاً لنتنياهو رئيس وزراء إسرائيل خلق سابقة لم تحدث من قبل تقريباً، ليس حباً في سواد عيون نتنياهو أوتعلقاً بشعبه، لا ننكر أن معظم أعضاء الكونغرس من اللوبي الصهيوني أو من مؤيديه أو تحت رحمته، لكن هذا التأثير النفسي التصفيقي، كان في معظمه مواجهة للرئيس، فالإنسان الأبيض يعيش صدمة ثقافية وتململ داخلي حين يروا رئيسهم من غير من اعتادوهم.
وتلك نقطة تمس موقفنا لهذا اليوم لكن نكتفي بالإشارة لها على عجل، فغيرنا أكفأ منا بتفنيدها.
إن معظم الشعب الأمريكي والكونغرس بصفة خاصة يفهم جيداً أن مصلحة الشعب الإسرائيلي تكمن في السلام، ولا مستقبل لهم في الحروب والعربدة، ويعرف اليهود أنفسهم أنهم لا يحصلون على السلام بالقوة والنووي وطائرات الشبح، والدبابات المعجزات، ولا حتى بالإعلام والدعاية والجما ل المسفوح لإنزال الوجهاء والمعارضين عن عروشهم، ليكونوا رهن إرادتهم، وننوه هنا أن الأميركان مضطرون لاحترام اليهود واحتوائهم، فجميع الأناجيل تنهل معينها ومحتواها من  التوراة التي هي للديانتين اليهودية والمسيحية، وإن الذين ترجموا التوراة من العبرية القديمة إلى الإنجليزية واللغات الأوربية الأخرى هم اليهود أنفسهم، واليهودي من أكثر الشعوب مرونة، يعاديك ويحاول قتلك بكل الأساليب، ولكنه حين يشعر بمواجهتك وقوتك وصمودك، أو له مصلحة في بقائك حياً أو غنياً أو حتى مغنياً  جذاباً،  يلجأ لطريقته التراثية في استرضائك بكل الوسائل.
واليهود طوائف مختلفة ويعرف القاصي والداني أنهم من أجناس وشعوب مختلفة، والعرب خاصة لا يستغلون هذه النقطة، والمستفيد الوحيد منها هم اليهود المتنفذون، ومع هذا لا يتفقون ولا يتجاذبون مع بعضهم إلا وقت الشدة والخوف من الموت أو  الإبادة أو الإفقار، ، أدرك  بعض السياسيين العرب حاجة الإسرائيليين للسلام، ومنهم انور السادات وأسر عربية حاكمة أخرى، لكن وللأسف تم انحرافهم أو تحريفهم عن النهج السليم، وتعافلوا عن المصلحة الوطنية العليا الإقليمية والقومية العربية، فضحوا بالكثير من  مصالح العرب جهلاً أو  إخفاقا في فهم المفخخات السياسية الصهيونية ومن يقف مسانداً لها، وهبط بعض الحكام لجمع الثروات والقصور، فكان المال والكرسي مجاله الوحيد للشعور بقوة  تعوضه عن قلوب الجماهير، وأدوا للصهيونية خدمات أكثر من أمريكا وأكثر من حكام إسرائيل أنفسهم، مثبتين تبعيتهم للسياسة الاستعمارية  والصهيونية بعلم أو بجهل.
ولا أريد أن أتطرق هنا لمطالب الشعوب العربية وطموحات الشباب وتضحياتهم،  فالكل يفهمها، والشوارع العربية ملآى بالشباب وصراخ التعذيب وبالدماء التي تسيل في كل مكان من الأقاليم العربية للمطالبة  بتلك المطالب،  لكنني أعود للنقطة التي بدأتها، ومع كل التأثير للوبي الصهيوني في أمريكا فإن الكونغرس ليس هو  الشعب الأمريكي، حتى والكونغرس نفسه قابل للتغير والتبدل حسب المواسم والفصول والمصالح والتأثير والتأثر.
فالتصفيق المدوي في الكونغرس الأمريكي لرئيس إسرائيل نتنياهو لاتعني الكثير، إذ إن الأمريكي مجامل حد المفارقة في الوقت نفسه، ومادح يتجنب مواجهتك بعيوبك في وجهك، حين يكون الموقف لايعنيه بشكل مباشر، وحين يضحك لك لا يعني انه أحبك أو يريد أن  يمدحك في غيابك، ومعظم السياسيين العرب لا يفهمون هذه الحقيقة
 إن الأميركان يحترمون الغريب الذي يتكلم بلهجتهم حد الهوس، وحتى اللهجة البريطانية لا تعجبهم، ولا لهجة المستعمرات كالهند وباكستان، بل ينفرون منها حتى السخرية- ، فما بالك إن كان ذلك  الشخص يعرف بعضاً من الإنجليزية  بلهجته العربية أو بلهجة لا أصل لها؟ الويل له من سخريتهم منه في أعماقهم وبعد ابتعاده، وفي رأينا لوكان لدينا الاستعداد الكافي ، فحضر عربي مسلم أو مسيحي أنيق وجذاب، رجلاً كان او امرأة، ويتقن اللغة  الأمريكية بلهجتهم، والأناقة والشخصية والجاذبية واللهجة شرط أساس في العيون الأمريكية، للرجل والمرأة، أقول لو وقف هذا العربي المتفهم بالمواصفات التي ذكرنا، و ألقى هذا الزائر أو الزائرة الأنيقة الجذابة خطاباً  منسقاً واضح المعالم والمطالب والتبريرات بلهجة أمريكية، بعد التصفيقات المجلجلة لنتنياهو بيوم أو في مناسبة مرتبة، للاقى من التصفيق الحاد ما لاقاه نتنياهو وربما أكثر.
وهنا أدعو شعوبنا وقادتنا أن لانشعر بالمل والإحباط من عدم قدرتنا على تغيير الوضع الداخلي في أمريكا، (القطب الأوحد في العالم في العقدين الماضيين)، وبغض النظر عن هذا وذاك، فإن  القرارات الحاسمة لا تتخذ في الكونغرس، ولدى إدارة رئيس البلاد، اي رئيس أمريكي هامش واسع من الحرية، وقبل ان يستشير الكونغرس أو قبل أن  يعود لهم، يستطيع أن يجعل قراره نافذا حتى لو عارضوه لاحقاً، لكن عليه ان يكون  مستعداً لتبرير قراره أمام ممثلي الشعب، فيقنعهم بأن ما فعله هو اجتهاد شخصي منه لمصلحة بلاده  وشعبه، ولم يسبق أن سمعنا أو قرأنا أن رئيساً أمريكيا أسقط عن الرئاسة  بتصويت من الكونغرس، والرئيس ريتشارد نكسون، حالة خاصة ولها مواصفات مختلفة، والأميركان  وجميع الشعوب  الحرة  والديمقراطية تؤمن أن الأقلية تتبع رأي الأغلبية حتى لو كان القرار مجحفاً للأقلية او ضد رغبتهم،  فمصلحة  البلد والأرض والمستقبل وغالبية  الناس هي أولى الأمور، ثم أن علينا أن  نعرف أن لكل شعب ودولة معارف وأدبيات غير مكتوبة، ومستوى من السلطة والقدرة والهيمنة على نواح معينة لا يجوز التراجع عنها، حتى لو لم تعرض علناً على الكونغرس، بل يستنير الرئيس ووزير الخارجية بآراء المستشارين والدارسين والمختصين والمتابعين. ويبقى للتعاطف مع إسرائيل أسباب لا يحصرها مقال يومي، لكننا أردنا إثارة مواضيع ونقاط للنقاش، وأؤكد أنه مازال للعرب هوامش واسعة للمناورة والمواجهة الهادئة مضمونة النتائج، فنستطيع أن نحرف الاتجاهات بدافع توافق المصالح او  تضاربها، فهل سيستغل قادة العرب الآتون العلماء والحكماء العرب في مختلف التخصصات ممن يحملون الجنسية الأمريكية؟؟. . . هل سيستفيدون من آرائهم ووجهات نظرهم وتواصلهم مع الجامعات والباحثين والدارسين والمثقفين ورجال الأعمال الأميركان من جذور عربية؟، وهل ستساهم  الجامعة العربية في تشجيع تكوين الجمعيات الخيرية متعددة الأغراض والثقافية بين المواطنين الأميركان ممن هم من جذور عربية؟
 يونيو حزيران   2/6/2011

ليست هناك تعليقات: