13 أغسطس 2012

الشراكة الامريكية - الايرانية من ايرانجيت الى بحرينجيت ( ٢ )




شبكة ذي قـار

صلاح المختار

أحقر الناس الذين قابلتهم في حياتي هم أولئك الذين ساعدوني على إحتلال أوطانهم
هتلر
 خونة اوطانهم لا يستحقون مصافحتي وحقهم هو الذهب فقط
نابليون
ردا على جنرال ساعده على احتلال بلده وطلب مصافحته

3 –  ما هي اهم محطات الشراكة الامريكية الايرانية ؟
أ – اسقاط الشاه وتنصيب خميني ديكتاتورا مطلقا :  ان الاحداث المتعاقبة منذ سقوط الشاه والتي تميزت بنجاح خطط شرذمة الاقطار العربية على اسس طائفية وعنصرية ولعب ايران الدور الرئيس فيها ن تؤكد بلا شك بان اسقاط الشاه كان اعدادا للمسرح الاقليمي لاحداث تغييرات ستراتيجية اساسية لصالح امريكا واسرائيل وايران طبعا بالاضافة لاطراف اقليمية اخرى . وقصة اسقاط الشاه معروفة ، ونقدم جانبا اخرا منها  لينتبه من لم ينتبه بعد الى حقائق الواقع ، ففي كتابه الاخير  جواب للتاريخ ( Answer to history ) وبعد خروجه الى المنفى قال الشاه صراحة ومباشرة ان بريطانيا وامريكا تأمرتا عليه لاسقاطه ، و ( ان الجنرال روبرت هويزر قد رماني خارج ايران كالجرذ الميت ) .

وكان كتاب روبرت درايفوس ( رهينة خميني ) ، وليس رهينة بيد خميني ، قد كشف هذه الحقيقة بالوثائق وساعد مركز البحوث والمعلومات التابع لمجلس قيادة الثورة في العراق على ترجمة ونشر الكتاب بالعربية في عام 1981 في الامارات ، وفيه وضح درايفوس اسباب دعم الغرب لخميني ضد الشاه . وكان الشاه بغروره وغطرسته ومطامعه وطموحاته المنفلتة قد استفز الغرب وعزل نفسه عن المنطقة وعن شعبه لذلك فان وظيفة الشاه في خدمة الغرب والصهيونية اصبحت محدودة جدا فتقرر اسقاطه وتنصيب خميني حاكما اوحدا لايران . وكان السبب الاهم في اسقاط الشاه هو خطة امريكا القائمة على اشعال حروب دينية وطائفية لتحل محل حروب التحرير ، ولذلك اختارت امريكا خميني بديلا عن الشاه .

ولم تكن صدفة ان تصدر المقالة الطويلة لعوديد ينون مستشار مناحيم بيجن في نفس الفترة في عام 1981  وعنوانه ( ستراتيجية لاسرائيل في الثمانينيات ) لتوضح ما هو المخطط الاسرائيلي الجديد ، وهو تقسيم الاقطار  العربية على اسس عنصرية وطائفية وكان العراق هو المستهدف الاول وعده ينون كغيره من قادة اسرائيل مصدر الخطر الاكبر على اسرائيل والاهم الان ، وقدر تعلق الامر بمقالنا ، هو تأكيد ينون على  ان من مصلحة اسرائيل دعم خميني في حربه على العراق من اجل اسقاط ( النظام العراقي ) .  ان صدور كتاب درايفوس ونشر مقالة ينون يؤكد حقيقة ان الغرب الاستعماري بالتعاون مع الصهيونية ينفذ خطة جديدة لتقسيم الاقطار العربية ، وفي عمليات التقسيم هذه تلعب الطائفية الدور الاكثر حسما ، من هنا فان دعم خميني من قبل الغرب والصهيونية كان سببه حرصهما على استغلال تطلعات خميني الاستعمارية وكرهه الشديد للعرب في تنفيذ مخطط تقسيم الاقطار العربية في سايكس – بيكو الثانية .  لقد انتهت مهمة الشاه وبدات مهمة خميني ، وفي هذه المهمة اصبحت الشراكة الامريكية الايرانية اخطر واقوى من علاقة الشاه بامريكا .

ب – فضيحة ايرانجيت : ، لم تكد تمضي اشهر على اشعال خميني حرب تغيير النظام في العراق يوم 4/9/1980 حتى فاحت جيف العلاقات الستراتيجية الامريكية الصهيونية مع ايران ، فقد كشف الاتحاد السوفيتي عن سقوط طائرة ارجنتينية في اراضيه كانت تحمل اسلحة وذخائر امريكية الى ايران ، وبسبب سرية العملية وعدم ابلاغ الكونغرس الامريكي فتح الاخير تحقيقا مطولا وعميقا كشف عن قيام امريكا رسميا بتكليف الكولونيل اوليفر نورث بالاشراف على عملية كبرى لتزويد ايران بالسلاح اثناء الحرب التي شنها خميني على العراق . تلك هي الفضيحة المسماة ايرانجيت رسميا والتي اثبتت للعالم بان خميني كان على علم بتلك الصفقة مع نورث لانه كان من المستحيل القيام باي خطوة دون علمه ، واكد اول رئيس لجمورية ايران بعد اسقاط الشاه ، والذي عينه خميني وكان اقرب الناس اليه ، وهو ابو الحسن بني صدر بان قرار قبول الاسلحة الامريكية بل والاسرائيلية اتخذه خميني شخصيا .

ج – ايران كونترا : وبعد ايرانجيت كشف النقاب عن فضيحة اخرى هي امتداد لها وهي تشكيل شركات اسرائيلية بادارة ضباط الموساد خصوصا المتقاعدين منهم للتجول في العالم لتوفير السلاح لايران . وتكشف الوثائق الإسرائيلية عن دور إسرائيلي كبير في صفقة إيران كونترا  اذ لعبت الموساد دورا مهما جدا في دعم العصابات اليمينة في امريكا الوسطى جنبا الى جنب مع المخابرات الامريكية  فزوّدت الموساد تلك العصابات او الجيوش غير النظامية في تلك المنطقة باسلحة كثيرة . وبتأثير تلك العلاقات قامت الموساد بشراء وجمع اسلحة كثيرة وشراءها وارسالها لايران وكان ضباط الموساد  يعملون تحت غطاء شركة وهمية في البرتغال أسمها سوربوفينا .

ولكي نقدم فكرة عن الحماس الاسرائيلي في دعم ايران اثناء الحرب مع العراق نتناول مثالا مهما فقد طلب رجال الكونترا ، اي العصابات في امريكا الوسكى ، والإيرانيون الذخيرة المناسبة للمدفعية السوفيتية الصنع خصوصا قذائف 130 ملم . وكان الخيار الاول تصنيعها في اسرائيل ولكن بعد ذلك تم العثور على شركة في النمسا اسمها  ( هيتنبيرغر ) وافقت على تنفيذ الطلب ، وطلبت الشركة الحصول على مخططات صنع تلك القذائف وعينّات منها فقدمت الموساد ذلك للشركة ومما له دلالات كبيرة هو ان النماذج من القذائف نقلت بطائرة خاصة اقلت الرئيس الاسرائيلي عندما زار النمسار ! وبدأ انتاج نمساوي لسلاح سوفيتي لصالح اسرائيل ومنها ارسل الى ايران .

د– عراقجيت : وجاءت عراقجيت ، وهي تعني فضيحة التعاون الامريكي- الايراني من اجل انجاح غزو العراق وافغانستان ، لتدعم ماعرف وكشف عنه من تعاون قوي بين امريكا وايران ضد العراق ، وعراقجيت حقيقة محسومة رسميا من الجهتين الامريكية والايرانية ، وفي مقدمتها تصريح محمد علي ابطحي نائب الرئيس الايراني الذي اعترف في دبي في عام 2004 علنا وفي مؤتمر عالمي بانه ( لولا الدعم الايراني لما نجحت امريكا في احتلال افغانستان والعراق ) ، كما ان موقف ايران الرسمي بعد الاحتلال واضح جدا وهو الدعم التام له وتمكينه من البقاء بدعمه بميليشيات ايرانية كفيلق بدر وجيش المهدي وحزب الدعوة والمجلس الاعلى ..الخ . وتوجت عراقجيت بتسليم امريكا العراق الى ايران قبل انسحاب اغلب قواتها من العراق . فهل تلك معلومات مجهولة ؟

د– نوويجيت : بعد اكثر من ثلاثة عقود من عراك الكلام بين طهران وواشنطن ثبت لنا وللعالم ان هناك ( زواج متعة ) امريكي ايراني حقيقي حتى في المجال النووي ، وهو زواج لذيذ جدا وجذاب جدا للطرفين ! فلقد تركت امريكا والكيان الصهيوني ايران تبني مشروعها النووي خصوصا من السوق السوداء العالمية والتي تتغلغل فيها المخابرات الامريكية والاسرائيلية كما هو معروف ، وسهلت عمليات شراء مواد نووية جاهزة من دول الاتحاد السوفيتي السابق ، واشترت ايران علماء نووين روس واوكرانيين وغيرهم من علماء الاتحاد السوفيتي السابق ، بل ان المخابرات الامريكية سمحت لايران بشراء ما يسمى ب ( الحقيبة النووية ) وهي قنبلة نووية صغيرة توجد في حقيبة تحمل باليد !

الان وبعد كل العراك الكلامي الطويل والصاخب نرى يوم 1/8/ 2012 الرئيس الامريكي اوباما يرسل برقية تأكيد اخرى لايران تضاف الى عشرات البرقيات والمواقف الامريكية والاسرائيلية التي تقول لايران نحن لن نهاجمك وسنحل المشلكة النووية معك سلميا  ! هذا ما كرر قوله اوباما يوم 1/8  في اطار تأكيدات امريكية واسرائيلية متكررة بان الحل لمشكلة ايران النووية حل سلمي وليس بالحرب . والسؤال المرتبط بهذا الموقف الامريكي هو : لماذا هوجم مفاعل تموز النووي العراقي بلا تردد بتخطيط امريكي –اسرائيلي وبتواطأ  فرنسي ودمر ولم تهاجم اسرائيل ولا امريكا المشروع النووي الايراني رغم ان العراقي كان تجريبيا وبسيطا بينما المشروع النووي الايراني تقدم وتطور ونما واصبح عسكريا ، وفق كل المعلومات والمؤشرات ، وبعلم امريكا واسرائيل وعدم اكتراثهما الفعلي وليس الاعلامي ؟ ولماذا لم تبادر امريكا او اسرائيل لاجهاض المشروع النووي الايراني قبل ان يتطور ويكبر واكتفيتا بالتهديديات الفارغة التي خدمت ايران كثيرا واضرت بالعرب أكثر ؟

الجواب واضح الان وبعد كل هذا الزمن الطويل وهو ان المشروع النووي الايراني اصلا وواقعا غير موجه لاسرائيل ولا لامريكا على الاطلاق ، لان ايران تعرف جيدا ان التحرش نوويا باسرائيل او امريكا يعني فناء ايران الكامل ومحوها من الخارطة ، والاهم انه لا يوجد دافع ستراتيجي يدعو ايران لاستخدام سلاح نووي ضدها فهي لا تحتل اراض ايرانية بل تحتل اراض عربية ، وايران مثل اسرائيل تحتل اراض عربية ولها ثأرات مع العرب وليس بين ايران واسرائيل اي ثأرات ، بل بالعكس فان تاريخهما فيه تحالف ضد العراق ، كما حصل بتحالف قورش امبراطور فارس مع يهود الاسر البابلي من اجل تدمير بابل . ولدينا تصريحات كثيرة لقادة اسرائيل يقولون فيها بالفم المليان بان المشروع النووي الايراني لا يشكل خطرا على اسرائيل لانه موجه للعرب  .

اذا كانت الحملة الغربية والصهيونية ضد المشروع النووي الايراني ليس هدفها تدميره فماهو هدفها الحقيقي اذن ؟ من المستحيل تجنب الحقيقة التي تقول بان الحملات الاعلامية وحرب الكلمات بين امريكا وايران واسرائيل ليست سوى غيمة دخان كثيف وظيفتها اخفاء الدور الايراني الحقيقي وهو دور داعم للمخططات الامريكية  والصهيونية القائمة على تقسيم وتقاسم الاقطار العربية ، وبما ان ايران تعمل تحت غطاء طائفي اسلاموي فانها تحتاج لدعم اوساط عربية وشق صفوف العرب بين معارض ورافض لايران وهذا لن يتحقق الا اذا صورت ايران كبلد يصارع امريكا واسرائيل ، وهكذا تستطيع ايران التمتع بوجود دعم لها من داخل الاقطار العربية مما يسمح لها بمواصلة تنفيذ خطة تقسيم الاقطار العربية على اسس طائفية ، وهو ما نراه بعيوننا منذ وصل خميني للسلطة . انها اذن النوويجيت تضاف الى فضائح التعاون الامريكي- الايراني – الصهيوني .

ه – فضيحة لبنانجيت : من يظن ان حزب الله نشأ ونما بعيدا عن الدعم الامريكي والاسرائيلي واهم جدا ، فطريقة انشاءه وتوقيت الانشاء ونموه وحمايته تؤكد بان لامريكا ولاسرائيل مصلحة في نشوء حزب في لبنان كحزب الله وبمواصفاته الحالية . لماذا ؟

1– توقيت النشوء : ان توقيت نشوء حزب الله مهم جدا فهو اسس بعد ان اصبحت المقاومة الفلسطينية والحركة الوطنية اللبنانية قوة فعالة حولت جنوب لبنان الى مقر ومركز لتحشيد القوى لمقاتلة اسرائيل وهكذا تبددت احلام اسرائيل في تحقيق الامن لمستعمراتها الشمالية ، ولذلك كان التحدي الاكبر لاسرائيل وقتها هو المقاومة الفلسطينية والحركة الوطنية اللبنانية التي كانت مسلحة ايضا وفي تحالف ستراتيجي مع المقاومة الفلسطينية . وتعمق التحدي وازدادات خطورته  ببروز امكانية ان ينجح هذا التحالف الفلسطيني اللبناني بتحقيق انقلاب شامل في لبنان يتخلص به من نظام المحاصصات الطائفية ويتأسس لبنان عربي مقاوم موحد عضويا ولا تشرذمه المحاصصات الطائفية ، وهذا التطور اذا اكتمل فانه يشكل تهديدا ستراتيجيا للامن الاسرائيلي .

لذلك كانت المصلحة الستراتيجية لاسرائيل تفرض اخلاء جنوب لبنان من المقاومة الفلسطينية والحركة الوطنية اللبنانية لتحقيق هدفين جوهريين : هدف ايقاف الهجمات على المستعمرات وهدف منع قيام لبنان عربي موحد ومعافى من الطائفية . وعندما فشلت حركة امل وهي منظمة طائفية انشأتها ايران ، في تحقيق عملية اخلاء الجنوب بعد مجازر كثيرة ارتكبتها ضد المقاومة الفلسطينية قرر خميني انشاء حزب الله ليرث حركة امل بما في ذلك تحول الكثير من كوادرها الى الحزب الجديد ومنهم حسن نصر الله .

ولكي يكون مخطط انشاء هذا الحزب متكاملا وناجحا كان لابد ان يخلي الجنوب بطريقة لا تثير الشكوك حوله ويحرق كما احرقت حركة امل بل كان يجب ان يسحب الشعبية من المقاومة الفلسطينية والحركة الوطنية اللبنانية ، فكيف يحقق ذلك الهدف الصعب ؟ كان اسلوب اخلاء الجنوب من المقاومة وحلفاءها اللبنانيين هو الحل وهو حل يقوم على ادعاء حزب الله انه وحده من يحق له العمل العسكري في الجنوب لان الجنوب شيعي وهو حزب الشيعة وان على المقاومة الفلسطينية التوقف عن العلميات ، او ان يقبل كل من يقوم بعمليات ضد اسرائيل بشرط ان تنسب عملياته لحزب الله حصرا ! وبعد فترة اعداد صورة حزب الله كحزب مقاوم لاسرائيل تمت عملية تصفية المقاومة الفلسطينية في الجنوب اللبناني والذي كان الجبهة الاساسية في الحرب ضد اسرائيل وقتها . كما ان الحركة الوطنية اللبنانية تراجعت وانكفأت بعد ان دخل الجيش السوري لبنان في عام 1975 وانقذ اليمين اللبناني من التصفية التي كانت على وشك ان تحدث بعد انتصار الحركة الوطنية اللبنانية والمقاومة الفلسطينية على التحالف اليميني في حرب قاسية . لقد كان دخول الجيش السوري الى لبنان بموافقة امريكية ومنعه حسم المعركة لصالح المقاومة والحركة الوطنية اللبنانية وانقاذ اليمين اللبناني تطورا خطيرا انهى عمليا نفوذ ووجود المقاومة الفلسطينية ولجم الحركة الوطنية اللبنانية ، وهكذا حرمت فلسطين من ابقاء المستعمرات الاسرائيلية تحت مطرقتها الفعالة وحرم لبنان من التحول الى قطر متحرر من الطائفية .

2– التزامن مع تنفيذ الخطة الامريكية - الاسرائيلية : ان توقيت انشاء حزب الله مهم جدا فهو انشأ في بداية الثمانينيات ، اي انه تزامن مع بدأ تنفيذ خطة امريكا واسرائيل لتقسيم الاقطار العربية على اسس طائفية وعنصرية ، لذلك فبروز حزب طائفي في بنيته الجينية في لبنان كحزب الله ، وتابع تبعية مطلقة تصل حد العبودية لايران ، كان عبارة عن خطوة على طريق اكمال خطوات مخطط تحويل الصراع من صراع مع الصهيونية والاستعمار الى صراعات طائفية بين السنة والشيعة وبقية الاديان والطوائف . وعلى كل باحث ان يأخذ هذا التزامن في اعتباره عندما يريد فهم ما يجري الان .

3– صنع صورة البطل المقاوم : ولكي يستطيع حزب الله ان يوظف الاف العرب في خدمة ايران ويجرهم الى دعمها رغم انها تنفذ مخططا طائفيا صريحا وتقاتل قطرا عربيا هو العراق وتنشر الفتن الطائفية علنا  فان حزب الله كان مطلوبا منه ان يبدو في صورة اسطورية تتجاوز الجميع وتردع الجميع عن مهاجمتها او مهاجمة ايران . وسبب صمت امريكا على حزب الله يكمن هنا ، فانشاء حزب الله كان حاجة امريكية واسرائيلية قبل ان يكون ضرورة ايرانية لان المطلوب منه مستقبلا ، وبعد ان يصبح محاطا بحصانة تردع من يريد النيل منه ، البدء بتحقيق انقلاب لبناني ينهي حالة التوازن التقليدية بين كل الطوائف لصالح طائفة واحدة ويحول الطوائف الاخرى الى توابع رغما عنها ، وهذا الوضع مضاد ومناقض لصورة لبنان كما ارادته القوى الوطنية اللبنانية والمقاومة الفلسطينية وهو لبنان المدني المتحرر من المحاصصات الطائفية والقائم على مبدأ المواطنة المتساوية وبغض النظر عن الطائفة والدين والعرق .

وانقلاب حزب الله المطلوب هو التمهيد الطبيعي لتحويل لبنان الى مخفر امامي لايران يتولى في ان واحد تصعيد صراع الطوائف داخل لبنان ويجعل من لبنان قاعدة مناوشات تقاسم نفوذ مع الغرب لصالح ايران . وهذا ما تحتاجه امريكا واسرائيل تماما ، فوجود ايران في لبنان كقوة تحكم وسيطرة سوف يكون مسوغا للتدخلات الغربية تحت غطاء تهديد مصالحها ، كما انه سيدعم الحجة الاسرائيلية القائلة بان المسلمين يرفضونها لاسباب دينية وليس لاسباب حقوقية ، واخيرا سوف يرسخ قاعدة الحرب الطائفية بصفتها الدافع الرئيس له ولخصومه السلفيين في لبنان .

وهكذا فان عملية اخراج المقاومة الفلسطينية والحركة الوطنية اللبنانية من الجنوب اللبناني واخضاع من تبقى منها لقيوده الصارمة ثم تحريره من الاحتلال الاسرائيلي وقيام حزب الله بمنع ابراز ادوار الاخرين في عملية تحرير الجنوب كل ذلك كان هدفه تحقيق هدفين مترابطين عضويا : هدف اكتساب سمعة طيبة تجعله محصنا ضد النقد بسبب تبعيته لايران ، وهدف جعل الجنوب منطقة انطلاق عمليات تحويل لبنان الى قاعدة ايرانية بكامله . وهنا نرى الهدف الامريكي البعيد للسماح لسوريا بادخال قواتها الى لبنان وقمع الحركة الوطنية اللبنانية والمقاومة الفلسطينية ، فتلك الخطوة كانت ممهدا طبيعيا لبروز حزب الله كحزب مقاوم ويبتز بسمعته تلك كل الاطراف وينحيها ويحيدها ويتقدم بثبات وبيده قوة ضاربة وهي سلاح المقاومة الجبار والمخزن في لبنان والذي وصل وانتشر واستخدم لـتأهيل حزب الله وتوفير قوة ضاربة تتخطى قوة الجيش وامكانيات الدولة . ويتضح مما تقدم ان نشوء حزب الله كقوة مسيطرة في لبنان ، او عليه ، كان مصلحة امريكية كما هو مصلحة ايرانية ولكن لاسباب مختلفة .

من يشك بصواب هذا التفسير عليه ان ينظر الى ما فعله حزب الله في لبنان بعد اكمال عملية تأهيله خصوصا بعد حرب التأهيل الكبرى في عام 2006 فقد بدأ باحتلال بيروت في صيف عام ( 2008 ) بالعنف المفرط وفرض نفسه على الدولة واعلن عن وجود دولة ضمن الدولة اللبنانية ، واخذ يبتز الجميع علنا مستخدما سلاح المقاومة لفرض هيمنته على كل لبنان ! واختتم تلك الخطوة بتأكيد انه يسعى لتحديد طبيعة لبنان وهويته وتوجهاته ، وكان تشكيل حكومة ميقاتي مثالا واضحا لبدء هيمنة حزب الله التامة على كل لبنان واكمال الانقلاب الطائفي فيه . لقد اختتم حزب الله مسيرته بان تحول الى اداة داخلية تعمل مباشرة ورسميا لصالح ايران وتضع مصلحة ايران فوق مصلحة لبنان ، وفرض ذلك بقوة سلاح المقاومة ، ونقل لبنان من لبنان لكل اللبنانيين الى لبنان التابع لايران والخادم لمصالحها والمضحي من اجلها .

4 – هل انتهت القصة ؟ كلا تابعوا معي الفيلم الهولي وودي التفاعلي في لبنان ، فما ان كشف حزب الله عن اهدافه التي كانت مخفية بعناية مخابراتية تحت عمامة ( المقاومة الاسلامية ) وفرض سيطرته ابتداء من صيف عام 2008 حتى اخذ رد الفعل الطائفي المضاد بالظهور والتكون ، فردا على هيمنة حزب الله نشأت تنظيمات سنية طائفية كحزب الله وبدأت تعمل وتتسلح ، الى ان فجرت احداث طرابلس وشمال لبنان وطرحت فكرة اقامة شمال سني يواجه الجنوب الشيعي ويعادله في القوة والتسلح ! هذه النتيجة كانت هي هدف امريكا ، وهنا تختلف امريكا مع ايران ففي حين كانت ايران تريد الانفراد بالسيطرة التامة على لبنان كانت امريكا تريد تحويله الى اقليمين اقليم شيعي في الجنوب يسيطر عليه حزب الله واقليم سني في الشمال تسيطر عليه السلفية وكافة التيارات الاسلاموية ، اما من تبقى فيجب ان يخضع اما لهذا الطرف او ذاك ، لقد اكتملت متطلبات الحرب الابدية في لبنان وما فعله كميل شمعون في عام 1958 اكمله باتقان رائع حسن نصرالله .

الحروب القادمة هذه مقدماتها ، وهي حرب الطوائف والاعراق التي حذرنا منها مبكرا منذ الثمانينيات ، ورأينا راسها يطل في العراق بفضل سادة حزب الله في ايران وامريكا ولكن المقاومة الوطنية العراقية والحركة الوطنية العراقية المنظمة جيدا ، بقوتها العسكرية وبجماهيرها المنتشرة في كل العراق ، وبهويتها القومية العابرة للطوائف والاعراق احبطت مخطط تقسيم العراق على اسس طائفية . والان نرى كيف ان الانتفاضة السورية من اجل الديمقراطية اخذت تظهر بوادر تحولها الى حرب اهلية تتصاعد فيها الروح الطائفية بقوة ، ودون ادنى شك فان حزب الله وايران لعبا دورا كبير في دفعها بهذا الاتجاه . وهكذا نرى حصيلة سياسات ايران وحزب الله ونتائجها هي ولادة صراعات طائفية بدل مواصلة النضال التحرري العربي ضد الاستعمار والصهيونية ، فهل توجد خدمة لاسرائيل وامريكا افضل من هذه ؟

ولهذا وفي ضوء النتائج الفعلية لدور حزب الله علينا ان نعيد دراسة التصريح الذي فوجئنا به للامين العام الاول لحزب الله اللبناني وهو الشيخ صبحي الطفيلي الذي قال بان حزب الله انشأ اصلا لحماية اسرائيل ، فحقا وبعد ان أهّل حزب الله نفسه بحروب تأهيل اكسبته سمعته الطيبة ، مثلما فعل السادات عندما خاض حرب التحريك في اكتوبر عام 1973 لتكون غطاء يحميه عندما يعترف باسرائيل ، فان حزب الله اوقف عملياته العسكرية ضد اسرائيل وانكفأ على الداخل يعمل على السيطرة على كل لبنان وتحويله الى قاعدة ايرانية ، ولذلك لم نشهد منذ حرب عام 2006 اي هجمات يشنها حزب الله ضد اسرائيل ، وهو ما قلناه بعد تلك الحرب مباشرة ، بان حزب الله لن يشن هجمات اخرى على اسرائيل بعد حقق هدفه الكبير وهو امتلاك القوة الكافية والسمعة الحامية .

لبنانجيت واحدة من اخطر الالعاب المخابراتية المشتركة الامريكية والايرانية والاسرائيلية ، وكونها مشتركة لا يعني تطابق التفاصيل فهذا مناقض لضرورات تطوير الحالة ، بل يعني فقط وجود خط مشترك اساسه تحويل لبنان ساحة حرب داخلية تمهيدا للانفراد بحكمه ثم تحويل لبنان الى قلعة ايرانية في صراع تقاسم المغانم مع امريكا . يتبع .

Almukhtar44@gmail.com

ليست هناك تعليقات: