20 أغسطس 2012

مسؤول صهيوني: العالم العربي سيرتد إلى عهود الاستعمار!



- زين العابدين الركابي
 حيث يسفر وجه المخاطر سفورا يراه كل ذي عينين، تسقط جميع المعاذير، من كل نوع: معاذير إغماض العينين دون هذه المخاطر: تجاهلا لها، أو استخفافا بها.. إن إغماض العينين - والحالة هذه - يشبه - عندئذ - خيانة قائد عسكري كلف بحماية جبهة أو ثغر، فلما أحس أن العدو يزحف ويتأهب للاعتداء: أغمض عينيه، ثم نعس، ثم نام، فوقعت الكارثة أو الهزيمة.
 يضم إلى ذلك أنه حين يسفر وجه المخاطر: يتوجب «قطع البرامج المعتادة» لأجل إعادة ترتيب الأولويات ابتغاء أن تصعد مجابهة المخاطر إلى أعلى درجة في سلم الأولويات الوطنية، ذلك أن حماية «الجبهة الداخلية» من الاختراق والتفتيت هي المسؤولية الأولى لكل حاكم عربي ومسلم، وإلا فلأي شيء آخر انتخب، أو لأي أمر آخر بويع؟!

ومن مسؤولية رؤية المخاطر: شحذ الوعي كله لأجل الاستيعاب الكامل لحقيقة أن «تفتيت الأوطان» صور وألوان وأنماط.. ومن أعتى هذه الصور: «التفتيت الفكري».. فمع التثمين العالي جدا لأهمية «الجغرافيا»، فإن قوام الوطن - أي وطن - هو «الناس».. وقوام الناس هو: المبادئ والمفاهيم والقيم التي تؤلف بينهم.. فالمجموعة أو الجماعة البشرية داخل وطن ما لا يشد بعضها إلى بعض بحبال أو أسلاك، ولا يلصق بعضها ببعض بمادة الصمغ - مثلا - وإنما يأتلف الناس ويتحدون على منظومة مشتركة من المبادئ والمفاهيم والقيم. قد تأخذ هذه المفاهيم والمبادئ عنوان «التربية الوطنية»، أو «الميثاق» أو «الدستور». وأيا كان العنوان فإن المضمون المعتبر هو: المبادئ أو الثوابت أو المسلمات المعنوية التي ينعقد عليها الإجماع أو الاتفاق الوطني.

وحقيقة الأمر: أن أمتنا العربية الإسلامية تتعرض في هذه الحقبة لصورتين من صور «التفتيت»: صورة «التفتيت الفكري».. فهناك - في الأوطان العربية الإسلامية - من يريدها بلا ثوابت ولا مسلمات ولا مبادئ، وهي إرادات أصبحت مناخا لما يمكن تسميته «الصراع الفكري» الذي يفتت «الوحدة الوطنية»: هنا أو هناك أو هنالك. وليس يجوز أن تفسر هذه الفقرة بأنها نزوع إلى تضييق «مساحة حرية التفكير والتعبير»، ذلك أننا نوقن بأن الأوطان لا تتقدم إلا على صدح الأفكار الجديدة، والعقول المبدعة الخلاقة، بيد أنه مهما اتسع نطاق الحرية في التفكير والتعبير، فإنه لا يعقل - ولا يقبل - أن تكون هذه الحرية أداة لـ«فصم عرى الوحدة الوطنية» المؤسسة على مبادئ وقيم ومفاهيم مشتركة.. فشيخ الليبراليين نفسه (ديكارت) أعلن أن منهجه يحترم القوانين والتقاليد والعقائد التي تسير عليها بلاده، أي أن ديكارت كان يحترم ثوابت مجتمعه ومسلماته العامة وهو يدعو إلى ليبرالية حقة في التفكير العلمي والفلسفي.. متى نشر هذا الكلام؟.. وأين؟.. نشر بتاريخ 25-12-2010 في هذه الجريدة نفسها (الشرق الأوسط)، أي قبل ما يقرب من عامين تقريبا.. وبديهي أننا - ها هنا - لا نباهي بنبوءة، ولا ببعد نظر. فهذا التباهي الفارغ قادح في العقيدة، وفي عزيمة التطهر من الرياء.. وإنما أثبتنا تلك الفقرات للتوكيد على:

1- أن التفتيت الفكري المشار إليه آنفا، قد تعزز باستراتيجيات كبرى تنزع إلى «التفتيت الجغرافي»، بل إلى رد الأمة العربية - بالذات - إلى عهود الاستعمار (كما سيتضح ذلك في فقرة تالية).

2- أن النصح ينبغي أن يستمر، مهما كانت درجة الاستجابة أو التفاعل.. ذلك أن الناصح لأمته يتوجب عليه - دينا وخلقا - أن يعالن قومه بالمخاطر الزاحفة عليهم - وهم رقود - وإلا أصبح غاشا لا ناصحا، وخائنا لا أمينا. ونحسب أن الأمة ليست في حاجة إلى مزيد من هذا النوع من الغشاشين الخونة.. نعم. من المحزن جدا أن يجتهد المرء في نصح قومه، وينذرهم بالمخاطر الوشيكة، فلا يستبينون النصح: لا في ضحى الغد، ولا في مسائه، ولا في ما يليه من أيام وشهور.. ومما يزيد الحزن مرارة: أن هذا النصح: لم يكتم حقا، ولم يجامل أحدا، ولم يطلب أجرا من أحد.. ونحمد الله جل ثناؤه على أن هذا الحزن لم يصبح دافعا للإحباط، ولا سببا في الزهد في بذل النصح.

3- أن أصحاب القرار لا نقول: إنهم يمكن أن يستغنوا عن مراكز البحث التي تقدم لهم خمائر القرار وعجائنه، وإنما نقول: إنهم يمكن أن يضيفوا إلى ذلك: مصدرا كبيرا من مصادر تنبيت القرار وتخصيبه. هذا المصدر هو: ما ينشره الآخرون من دراسات وخطط و«نبوءات»! فما ينشر من ذلك - ولا سيما في المجال الاستراتيجي - كثيرا ما يتحقق في أرض الواقع بعد ذلك.. ولنضرب لذلك مثلين:

المثل الأول: أنه منذ عقود نشرت استراتيجية تهويد القدس وضمه إلى الدولة العبرية بصفة أبدية.. ولقد أمست هذه الاستراتيجية في طور التنفيذ الجدي الآن.

المثل الثاني: أن الاستراتيجية الصهيونية في التغلغل في أعالي النيل ومنابعه قد وضعت خطوطها في عهد بن غوريون ثم طورت ونشرت.. ولما تعذر تطبيق هذه الاستراتيجية إلا بانفصال جنوب السودان عن شماله: وقع الانفصال!

4- منذ أيام قال داني إيالون نائب وزير الخارجية الإسرائيلي: «إن العالم العربي يمر بمرحلة ستعيده إلى ما قبل الحرب العالمية الأولى».

والمرحلة التي أشار إليها هذا الصهيوني هي مرحلة خضوع الوطن العربي للاستعمار الغربي، وهي كذلك مرحلة تفتيت العالم العربي في ظل الاستعمار. فإذا أضيف إلى ذلك «عقيدة» ذلك الرجل الاستعماري العتيق: برنارد لويس، فإن نظرية استعمار العالم العربي من جديد تكون قد اكتملت. لقد استشار لويس تلامذته المحافظون الجدد في غزو العراق، فلم يتردد لحظة في تقديم مشورته التالية؛ إذ قال: «أرى أن الغزو ضرورة سياسية وتاريخية وحضارية، فعبرة التاريخ تقول لنا: إن هؤلاء القوم العرب والمسلمين لا يستطيعون أن يعيشوا، ولا أن يديروا شؤونهم إلا تحت وصاية أجنبية». ويقصد بعبرة التاريخ: حقبة الاستعمار الغربي الذي احتل معظم الوطن العربي، والعالم الإسلامي ومزقه شرّ ممزق. ومن هنا ربط داني إيالون كلامه ذاك بالإشارة إلى دولتين عربيتين ستشهدان تقسيما، بل تفتيتا عما قريب!

إن المنطقة تموج موجا بالاحتمالات والنذر، ولذا يتوجب:

أ- أنه مهما كانت درجة الاهتمام بهذه القضية أو تلك في المنطقة والعالم، فإن التحديات العصيبة توجب على كل حاكم عربي أن يمتلئ بـ«الأنانية الوطنية»، بمعنى أن يلتفت أولا وثانيا وثالثا وعاشرا إلى داره الخاصة، أو وطنه، مركزا بصره وبصيرته على مجالين اثنين لا يزاحمهما شيء آخر: مجال الوحدة الفكرية.. ومجال الوحدة السياسية والجغرافية، فلن يفيد حاكما ما أن يربح العالم كله، على حين يخسر وطنه: في هذه الصورة أو تلك.. يخسره بمعنى: أن يبدد شيئا من وقته واهتمامه وقراره في اهتمامات أخرى.

ب- ويتوجب على كل حاكم عربي أن يدخل بلاده كلها - شعبا ومؤسسات - في «حالة تأهب مستمرة» لمدة خمس سنوات قادمة - مثلا. حالة تأهب تزيل الاسترخاء والتثاؤب.. وتكهرب إرادة الناس كهربة تدفعهم إلى العمل والإنتاج.. وتعمل يد الإصلاح والتجديد في كل شيء يتطلب ذلك.. وترفع اليقظة الأمنية إلى أعلى معدلاتها، ولا سيما أن خطط الاختراق الأمني للمجتمعات العربية قد نشطت جدا. ويمكن إعادة قراءة ما قاله عاموس يادلين عن مصر في هذا الميدان.. فقد قال: «إن مصر هي الملعب الأكبر لنشاطنا. ولقد نجحنا في تصعيد التوتر الطائفي والاجتماعي لتوليد بيئة متصارعة دائما».

من هو عاموس يادلين؟.. هو: رئيس الاستخبارات العسكرية السابق في إسرائيل.

ليست هناك تعليقات: