15 يوليو 2012

الحرب الكونية الثالثة متى تنتهي؟الجزء الثامن



شبكة البصرة

سعد أبورغيف
بدأ العدوان ومن ثم الإحتلال:
فكانت الحرب على العراق في 17/1/1991 بعد إجتياح القوات العراقية للكويت بخمسةأشهر ونصف، وهي الفترة التي تطلبها نقل القوات الى المملكة السعودية ومنطقة الخليج العربي، وقد كان للتضليل والتزوير الإعلامي الكثيف الذي سخرته أمريكا وحلفائها دورا كبيرا، في تشويه صورة العراق وجيشه وقيادته في تلك الحرب، بإضافة للظرف الدولي المتدهور والمتمثل بإنهيار القطب الثاني الموازن للسياسة الدولية، وإنكفاء دول العالم جميعا وخشيتها من التغيرات الكبيرة التي شهدها العالم، مما أتاح للولايات المتحدة المنفردة بالعالم بالهيمنة والسيطرة على السياسة الدولية، وظهورها كقوة عظمى وحيدة قادرة على فرض إرادتها ورؤيتها، فإنها كانت مسيرة للمنظمات الدولية والإقليمية ومهيمنة على قرارها، وموظفة لها لتكون خادمة بل مؤتمرة بأمرها، ومن يتابع قرارات مجلس الأمن والمنظمة الدولية خلال الفترة بين أعوام 1990 وحتى عام 2010 يرى ذلك بوضوح، فقد كان دور المنظمة الدولية ومجلس الأمن عدواني بكل مفهوم العدوانية، وشريكا في الجريمة الوحشية على القيم والقوانين البشرية والإنسانية، ومخالف لمواثيق المنظمة الدولية وللقوانين الدولية عموما، ومنتهكا لحقوق الإنسان بكل بشاعة، وخاضعا لإرادة العدوان الأمريكي بشن الحرب على الشعوب، وشرعن الإحتلال والبغي وقتل الشعوب، وصارت أمريكا الشرطي والرقيب على دول العالم.

نعم كانت الحرب على العراق واقعة حتما، بعد أن لم تسمح أمريكا الهادفة لتدمير العراق، لأي جهد سياسي ودبلوماسي لحل سلمي للمشكلة، الذي تحول الى إجتياح عراقي للكويت، ونزاع بين العراق وأمريكا وحلفائها، فكان العدوان الأمريكي الصهيوني الغربي على العراق، وشارك في العدوان عدد غير قليل من الأنظمة العربية الحاكمة، بقوات مهما كان حجمها ودورها، ومن بينها أنظمة كانت محسوبة وتدعي أنها معادية لأمريكا، ولم يقف بوجه العدوان غير الشرعي أي من دول العالم، خصوصا الدولتين الكبرتين صاحبتا حق النقض فيه، أي الإتحاد الروسي والصين الشعبية، وإكتفيا بالإمتناع عن التصويت، فكانت الحرب بحجة الدفاع عن الشرعية الدولية وتحرير الكويت، قد تكونا (روسيا والصين) مدركتين للوضع الدولي، وعارفتين بأمكاناتهما الذاتية، في القدرة على ردع وإيقاف العدوان، هل أنهما غفلتا عن أبعاد العدوان وأهدافه فإكتفتيا بالصمت أمام إصرار أمريكا وحلفائها على العدوان؟ فإرتكبت أمريكا وحلفائها جرائم حرب ضد الإنسانية، في حربها التي أسموها حرب الخليج الثانية، كان أبرزها إستهداف التجمعات البشرية المدنية بالقصف الجوي والصاروخي، وإستخدام أسلحة القتل الجماعي، والأسلحة الملوثة للبيئة والمسببة لأمراض قاتلة، تستمر لقرون طويلة كاليورانيوم المنضب، والفسور وغيره، ونشر الألغام والقنابل العنقودية في عموم أرض العراق، حيث أن تلك القنابل ستبقى وسائل قتل ممتدة لعقود طويلة بل قرون، لقتل المزيد من العراقيين، وقد كان ضرب ملجأ العامرية بأسلحة خاصة معدة لإستهداف الملاجيء المحصنة وشديدة التحصين، مثلا خالدا لتقصد البغاة قتل المدنيين، فالملاجيء هي ملاذ للأطفال والعجزة والمرضى وكبار السن والنساء من الموت، وويلات القصف الجوي والصاروخي، أيوجد دليلا صارخا لسادية وهمجية الإدارة الأمريكية ودليلا فاضحا لهدف العدوان أكبر وأوضح من هذا؟ أو ليس هذا دليلا ثابتا على أن أحد أهداف العدوان قتل أكبر ما يمكن من العراقيين دون تميز بين مدني وعسكري أو طفل وإمرأة وشيخ ومقاتل؟ ولا بين بعثي وغير بعثي، ولا بين مسلم أو مسيحي أو غيره، بل الهدف لقوات العدوان قتل الشعب العراقي أو أكبر عدد ممكن، وغاية العدوان تدمير العراق وإبادة الشعب، ولذلك أستهدفت مشاريع الماء التي تتكفل بتوفير الماء الصالح للشرب للمواطنين، ليأتي العراقيين الموت من جانب آخر، وأستهدفت المؤسسات العلمية والمدارس والجامعات والمكتبات ودور العلم والثقافة والفن، ليقتلوا العراقيين بسلاح الجهل، فالجاهل لا يعقل مصلحته وحقوقه، وأستهدفت المعامل والمصانع ومشاريع الزراعة والري ومحطات توليد الكهرباء والجسور والبنى التحتية الخادمة للتنمية والبناء، لغرض قتل فرص كسب العيش ونشر البطالة وإرتفاع معدلاتها، وهذا سلاح ضد حياة الإنسان والشعوب، وأداة لنشر الإنحراف والجريمة والفساد، وهو الطريق الفاعل لتدمير بنية المجتمع، وخراب البلدان، هذا كان ولا زال منهج وأساليب أمريكا الفاشية في العراق، ومع كل الجرائم التي أرتكبت بين 17/1/1991و19/3/2003 لم يعترض العالم ويسأل لماذا؟ لقد تحررت الكويت وإنسحب العراق، ووافق على شروط أمريكا التي صدرتها بإسم المجتمع الدولي.

وتوقفت الحرب بقرار أمريكي صدر من مجلس الأمن، بعد أن تأكد للإدارة الأمريكية حين ذاك بأن عملية دخول العراق وإحتلاله عملية باهضة الثمن، ومحفوفة بالمخاطر، وغير مضمونة النتائج، والعراق رغم ما يعانيه إقتصاده من ضرر، نتيجة العدوان الخميني عليه، فهو قوي منيع بأبنائه ذوي النخوة وقوة الشكيمة، وبتماسك بنائه الإجتماعي والسياسي من خلال وحدته الوطنية، وقد يكون إستمرار الحرب ومحاولة الدخول الى داخل أراضيه مجازفة وإستفزازا لعموم الشعب، قد تؤدي لتورط مدمر للإدارة الأمريكية، بل للولايات المتحدة الأمريكية ومشروعها بعيد المدى الذي أشرنا له سالفا، فصدر وقف إطلاق النار، وإيقاف الحرب بالشكل الذي أشرنا له سالفا، ولكن أمريكا وحليفتها الصهيونية العالمية تدرك أن وجود القيادة العراقية الوطنية والمتمسكة بمشروعها الإيماني، والمؤمنة بضرورة بناء العراق وتطوير إمكاناته، وإستمرار المنهج البعثي وتطبيق مشروعه القومي الأيماني الحضاري سيعيد قوة العراق، ويعيد بناء ما دمره العدوان، على مستوى البناء النفسي للإنسان العراقي وهو الأهم، وعلى مستوى البناء التنموي والإقتصادي، وقد كانت حملة إعادة البناء التي تواصلت منذ توقفت الحرب ولمدة عام، وما سطر فيها العراقيون من مآثر، دليلا على إصرار الشعب وقيادته على المضي في طريق التنمية والبناء، فعادت أمريكا لتستخدم المنظمة الدولية ومجلس الأمن لفرض حرب أقسى وأكثر تدميرا من كل الأسلحة، وأكثر وحشية وأجراما ضد الإنسان وحقوقه، تلك هي حرب القتل الجماعي والإبادة الشاملة لشعب العراق، التي تمثلت بالحصار الشامل للغذاء والدواء ومستلزمات الطفولة والأمومة، ومستلزمات التعليم الكتب والورق وحتى أقلام الرصاص، فكان الحصار الذي فرض على العراق بإسم المجتمع الدولي، حرب إبادة فعلية وعدوانا على الإنسانية، بل حربا على الحياة للبشر وكل كائن حي يعيش بالعراق، وكان وسيظل مثالا للتوحش والجريمة القذرة ضد الحياة، ومثالا للبغي والعجرفة بإسلوب الرد على من يعارض رأيهم (أي الأمريكيون والغربيون الذين يدعون الديمقراطية وإحترام حرية الرأي). ورافق ذلك عدوان عسكري مستمر على العراق ووحدته الوطنية أرضا وشعبا، تمثل بالرجعات المتكررة، من خلال توجيه ضربات جوية وصاروخية على أراضيه، وفرض حضر الطيران والتواجد العسكري لقوات الجيش شمال خط العرض 36 وجنوب خط العرض 32، والتدخل السافر في شؤونه الداخلية من خلال ما سمي بلجان التفتيش والمراقبين الدوليين لتدمير أسلحته، وتجويع شعبه، حتى وصل الأمر لإلقاء المشاعل الحرارية على مزروعاته في موسم الحصاد، وعندما تفطم من الماء لتجف ويجنى قطافها، وأغراء مجرمين نزعت عنهم إدميتهم ليقوموا بحرق بيادر الحصاد للحنطة والشعير والذرة والرز مقابل مبالغ تقديرية للكميات المحروقة، إمعانا في تجويع الشعب وزيادة معاناته، بغية قتله جوعا، هذا دليل آخر على نوع الجريمة وسادية ووحشية العدوان والمعتدين الذين إستهدفوا شعب العراق، وتشيج تهريب المكائن والمعدات من العراق الى دول الجوار، بأثمان تزيد على سعر معدات جديدة بنفس النوع وبموديلات أحدث، بغية إفراغ العراق من قدراته، وما تبقى لديه من إمكانيات يمكن إستخدامها، وهذا يعني توقف جبري للتنمية والبناء، وله إنعاسات خطيرة على الوضع المعاشي والتنوي في البلد.
شبكة البصرة
الثلاثاء 20 شعبان 1433 / 10 تموز 2012
يرجى الاشارة الى شبكة البصرة عند اعادة النشر او الاقتباس

ليست هناك تعليقات: