17 يوليو 2012

700 مليار تقود الى الفتنة الكبرى.. ارفع راسك ، انت حرامي



نبيل ياسين
لا اريد ان اصدق ان هذا المبلغ الفلكي  والخيالي والبالغ 700مليار دولار هو ثروة السياسيين الذين يديرون العراق.جاء ذلك في تقرير سري نسب الى السفارة الامريكية في بغداد. ولكني اريد ان اصدق نصفه ،اي 350 مليار دولار . ثم جاءت اخبار بان السفارة نفت علاقتها بالتقرير، وقالت انها غير معنية بتتبع ثروات السياسيين العراقيين. وهذا خطأ اخلاقي من قبل السفارة التي تريد ان تطمأن الى سير الديمقراطية بدون فساد وبدون نفوذ مالي يطيح بالديمقراطية في العراق فمن المستغرب ان لاتتابع السفارة الامريكية في العراق ملفات الفساد السياسي والمالي التي تنسف الديمقراطية.
لا اريد ان اعيد التاريخ رغم انه يصر على التكرار. لكن معرفة التاريخ تدلنا على الاسباب . وساعتمد على كتابي الاصول الاجتماعية والفكرية للتيارات الاسلامية المعاصرة الصادر عام 1994 وفيه ملاحق عن مليونيرية المسلمين آنذاك وانقل منه معلومات جمعتها من مصادر قديمة بعضها لم يعد في متناولي الان. فقد كان للزبير، المؤمن التقي الذي انشق عن علي وحاربه في موقعة الجمل (بنك) في البصرة مكون من طابقين ظل الى ايام المؤرخ المسعودي في منتصف القرن الرابع وكان له 1000عبد يشتغلون برؤوس امواله المستثمرة في البصرة وفي تجارته التي كان يستثمر فيها اكثر من مليوني درهم. وكان الزبير من اشد المحرضين على عثمان بسبب اختلاف المنافع ثم من اشد المطالبين بدمه من اجل المنافع ايضا.
وكان عثمان بن عفان مؤمنا بالله ورسوله. وكان صحابيا رقيق القلب، مرفها مول عددا من حملات الرسول ايمانا منه برسالته. .وذكر عبد الله بن عتبة ان عثمان يوم قتل كان له عند خازنه من المال خمسون ومائة الف دينار والف الف درهم(اي مليون) وقيمة ضياعه بوادي القرى وحُنين وغيرهما مائة الف دينار وخلف خيلا كثيرا وابلا. وفي ايام عثمان اقتنى جماعة من الصحابة الضياع والدور منهم الزبير بن العوام وبلغ مال الزبير بعد وفاته خمسين الف دينار وخلف الف فرس والف عبد وامة وكذلك طلحة بن عبيد الله الذي كانت غلته من العراق كل يوم الف دينار وكذلك عبد الرحمن بن عوف الذي كان مؤمنا منذ وقت مبكر. وكان يضحي في سبيل الله ، لكن كان على مربطه مائة فرس وله الف بعير وعشرة الاف شاة وبلغ ربع ثمن ماله بعد وفاته اربعة وثمانين الفا. وابتنى سعد بن ابي وقاص داره بالعقيق فرفع سمكها ووسع فضاءها وجعل اعلاها شرفات. وقد ذكر سعيد بن المسيب ان زيد بن ثابت حين مات خلف من الذهب والفضة ماكان يكسر بالفؤوس غير ماخلف من الاموال والضياع بقيمة مائة الف دينار .ولمعرفة قيمة تلك الارقام علينا ان نعرف ان الحد الادنى لمستوى المعيشة في القرن الاول الهجري هو 200درهم سنويا. وكان راتب الكاتب في دواوين الدولة 360 درهما سنويا. وكان اللباس المتوسط السعر المقبول اجتماعيا يتراوح سعره بين20 و25درهم اي مايعادل 8 بدلات كاملة، ومايعادل نصف فرس لان سعر الفرس كان بمعدل 400 درهم ، ونصف عبد لان العبد كان يباع ب 400 درهم ايضا. وحج عمر بن الخطاب فانفق في ذهابه ومجيئه الى المدينة ستة عشر دينارا فقط ومع هذا قال لولده عبد الله لقد اسرفنا في نفقتنا في سفرنا هذا. ومات علي بن ابي طالب وخلف 700 درهم وحين جاء ابنه محمد بن الحنفية الى الحسن وقال له اريد من ارث ابي قال له الحسن ان اباك لم يخلف غير سبعمائة درهم فقال ماسألت عن ماله ولكن سألت عن ماخلف من علم فقال الحسن اما هذا فنعم لك فيه حق. ومات الحسين وكان ثمن رأسه ولاية الري (طهران الحالية) التي طمع فيها قاتله ، ومالا ورد في شعر من حز رأسه حيث ذهب به الى ابن زياد وهو يقول:
اوقر ركابي فضة وذهبا      اني قتلت السيد المحجبا
قتلت خير الناس اما وابا    وخيرهم اذ ينسبون نسبا
ولم يجدوا في جيوب الحسين بعد سلبه مالا.
لكن كل هؤلاء المؤمنين الذين كانوا مليونيرية ذلك الزمان كانوا صحابة قاتلوا مع الرسول في سبيل الله وفي سبيل الجنة. لكن عثمان بن عفان لم يتمالك نفسه حين اصبح خليفة فاباح لبني امية السيطرة على موارد المؤمنين بحيث انه كسر ضلع عبد الله بن مسعود( الحادثة التي اغضبت السيدة عائشة على عثمان) الذي كان خازن بيت المسلمين في الكوفة حين طالبه برد 100 الف درهم استلفها ابن عمه الوليد بن عقبة الذي اسلم كرها بعد فتح مكة، وعينه عثمان واليا على الكوفة .وكان جماعة من المؤمنين قد اثبتوا انه كان سكرانا وهو يؤمهم في الصلاة فنزعوا خاتمه وهو مطروح ارضا سكرا وذهبوا الى عثمان وبدأت خيوط الخلاف تظهر بين مؤمنين ضحوا في سبيل ايمانهم وبين اعداء حاربوا ايمان اؤلئك المؤمنين ثم حكموا فاستولوا على حقوق واموال المؤمنين وبدأت بوادر ما يسمه التاريخ الاسلامي (الفتنة) التي ندفع ثمنها حتى الآن.فقد فضل عثمان اقاربه على شعب المسلمين ومنع اقامة الحد على ابن عمه فقام علي وجلد الوليد وحدثت مشتدة بين عثمان وعلي فضل فيها عثمان الوليد بن عقبة على علي بن ابي طالب وانقسم المؤمنون بين الدفاع عن حقهم وبين الدفاع عن اموالهم ومصالحهم. ولو جاء علي بن طالب خليفة بعد عمر بن الخطاب لوجد مجتمعا كان مايزال ينتمي لمبادئ الرسول . ولكن ثلاثة عشر عاما من حكم الخليفة عثمان بن عفان كانت قد اسست للانقسام الذي مايزال حتى اليوم. وهو ليس انقساما دينيا ولا فقهيا ولكنه انقسم سياسي وحقوقي ودستوري.وعبد الرحمن بن عوف مؤمن كان يقود كتيبة الحماية على جبل احد لكنه ترك سفح الجبل  ونزل الى ساحة الحرب حين تراجع المشركون ليجمع الغنائم فكان ان التف خالد بن الوليد فارس المشركين آنذاك واستغل هذا النزول مع كوكبة الرماة واقترب من الرسول لولا ان صد هجومه علي بن ابي طالب وبعض الصحابة الاخرين.وكان سعد بن ابي وقاص افضل رماة القوس في جيش المسلمين وكان مؤمنا لايشك احد في ايمانه لكنه لم يبايع عليا  وقاد ابنه جيش يزيد ليكون من قتلة الحسين. وكان حذيفة بن اليمان مؤمنا وافضل مساح عرفه التاريخ الاسلامي فقد مسح العراق من الخابور الى شط العرب ومن حلوان قرب خانقين الى العذيب على الحدود  مع الجزيرة العربية  ليضع الخراج على المنتوجات الزراعية وكان عبقريا قدر فائض العمل فوضع  الخراج وفقا لقوة العمل فكان خراج الاراضي الديمية التي لايبذل الفلاح جهدا لسقايتها اعلى من خراج اراضي السقي في وسط وجنوب العراق.
ولم يعتزل واوصى ابنيه سعدا وسعيدا ان ينضما الى لواء علي فقتلا في صفين ولهما قبران قرب ناحية النيل قبيل الحلة في العراق.فاين اصبح عمرو ابن سعد بن ابي وقاص؟ اصبح قاتلا للحسين. واين اصبح عبيد الله بن زياد ابن زياد بن ابيه اصبح قاتلا للحسين. فهل نستغرب ان نجد مؤمنين يقتلون الحسين اليوم ويعتقدون انهم من شيعته؟
فنصف مبلغ الـ 700مليار يكشف لنا بوضوح ان الذين اطلقوا شعارا ساذجا لا اساس له من الصحة هو (ارفع رأسك .. انت عراقي) قد استبدلوه بشعار(ارفع رأسك ..انت حرامي)فنصف هذا المبلغ لايمكن ان يأتي من استثمارات الا اذا كانت هذه الاستثمارات غير قانونية. ولايمكن ان يأتي من التجارة الا اذا كانت تجارة رقيق ابيض واسلحة ومخدرات .ولايمكن ان يـأتي من الرواتب الشهرية حتى لو كان الراتب الشهري مليون دولار.
ربما يأتي من مايلي: اذا كانت الموازنة السنوية منذ عام 2004حتى الان لم تحقق اي تحسن في حياة العراقيين لا في الكهرباء ولا في السكن ولا في التعليم والصحة والمجاري والزراعة والصناعة فان هذه الموازنة يمكن ان تكون احد اهم مصادر تلك الثروات. فبلاد الرافدين تستورد قناني المياه من بلدان صحراوية مثل السعودية والكويت وبلاد السواد( السواد هو الخضرة اذا تكاثفت) وتستورد الخيار والطماطة واللبن والجبن والمربى والتمر والرمان والخس وغيرها من السعودية وسوريا وايران . ونسبة الفضائح التي انكشفت في وزارة الكهرباء ووزارة الدفاع ووزارة التجارة هي نسبة ثلاثة بالمائة من نسبة الفضائح المستورة التي لم يتم كشفها حتى الان. استطيع ان افهم ان ثروة شركة مايكروسوفت تبلغ 70 مليار دولار وهي الشركة التي غيرت العالم ويستفيد من خدماتها اكثر من اربعة مليارات انسان في العالم. وافهم ان ثروة شركة غوغل وقيمتها في السوق قد تجاوزت 72 مليار دولار وهي تخدم خمسة مليارات انسان على مدار اربع وعشرين ساعة وتوظف  33 الف مستخدم يتقاضون رواتب عالية لانهم يتمتعون بمهارت عقلية عالية وربما نادرة. ولكني لا افهم ان يملك حزب  في العراق 200 مليار دولار دون ان يفعل شيئا لشعبه . ربما يبالغ التقرير بالارقام ولكني اتساءل : اين ذهبت اموال العراق من النفط وحده ؟ نعرف ان صدام انفقها على الحروب وشراء دول وحكومات واحزاب ومنظمات وصحفيين وسياسيين فاسدين حتى في فرنسا، ولكننا لانعرف اين انفق السياسيون العراقيون ثروات وموارد العراق التي تقدر منذ سقوط صدام الى اليوم باكثر من نصف ترليون دولار على الاقل. فاين ذهبت هذه الاموال؟
اعرف ان إمام السنة عمر بن الخطاب وإمام الشيعة علي بن ابي طالب كانا متفقين في تصرفهما على رعاية مصالح المؤمنين. فقد جاء مال كثير من البصرة في زمن عمر من واليه ابي موسى الاشعري بلغ  ستة الاف الف درهم فاستغرب عمر من المبلغ وبعث على علي بن ابي طالب وهو عبقري في الرياضيات فسأله عما تعنيه القيمة الفعلية لان العرب لايعرفون المليون.  وقاما معا بتوزيع الاموال بادئين من نساء النبي ثم المهاجرين الاقدم اسلاما فالانصار حتى كنسا بيت المال صباحا وناما. وطبعا يعتبر ذلك في المقاييس الاقتصادية الحديثة الغاء  للتراكم النقدي الضروري للرأسمالية. ولكنهما الغياه ليحققا عدالة ذلك الزمن. فلماذا لايلتزم اتباع عمر واتباع علي بسيرة هذين الحاكمين؟ ولماذا نريد دولة دينية اذا كان دين محمد مقصيا وملغيا من هذه الدولة؟ ورغم الخلاف على الخلافة بين عمر وعلي وهو خلاف واضح وتاريخي الا ان الرجلين كانا متفقين على مبدأ العدل والمساواة قبل ان ينقسم الاسلام بين مبدأ العدل والمساواة، ومبدأ الاستحواذ على اموال المسلمين واموال الدولة وتحول العراق الى بستان لقريش كما هو الان ايضا؟  لاتكفي الصلاة وحدها لتنهى عن الفحشاء والمنكر رغم ان القرآن يقرر ذلك . فالفساد اعظم منكر يدينه القرآن. ولم يكن الجهل بالله قبل الاسلام فسادا يفوق فساد الظلم والسرقة والقمع ومصادرة حقوق الناس رغم ان القرآن يقرن هذا الجهل بشيوع الفساد فهل لدينا الآن جهل بالله ؟ اعتقد ان الجواب نعم.وخير من يعرف الله هم الديمقراطيون والليبراليون والعلمانيون وليس المتدينين الذين ازاحوا الله عن العدل وعن النزاهة وعن الحق ولاحقوا المجتمع بجاهلية دينية. وخير من يعرف عمرا وعليا ليسوا السنة ولا الشيعة وانما هم الداعون الى العدالة والمساواة والحرية والحق والمواطنة.مايحدث في العراق او مايقال عنه ومايكتب فيه وماينشر عنه لايمكن ان يكون امرا طبيعيا لان الوضع العراقي غير طبيعي.كنا في المعارضة نخطط واقعيا وكتابيا وذهنيا وثقافيا لعراق ديمقراطي يتساوى فيه الناس ويحصلون على حقوقهم وفرصهم في العمل والتعليم والصحة والثقافة والسفر والسكن والنقل. وحين سقط صدام قفز الى السفينة حين وصلت بغداد الاف الجرذان الذين نشروا طاعون الفساد.  واذكركم بقصة الطاعون في اوروبا. ففي القرن الرابع عشر كانت هناك سفينة ايطالية راسية في احد موانئ الصين فتسلل ثلاثة جرذان اليها واختبأوا في زواياها وكانت الصين تعاني من طاعون قضى على ثلث سكانها. وما ان رست السفينة في احد الموانئ الايطالية حتى خرج الجرذان الثلاثة واشاعوا الطاعون في ايطاليا ثم في اوروبا فمات نصف سكان القارة بالطاعون. وقد تسسل الحرام او الفساد او السرقة الى السفينة التي رست في العراق فتسلل اليها جرذان نشروا الطاعون الذي يحصد كل يوم امن واستقرار وراحة وحقوق واموال العراقيين.
سوء توزيع المال في زمن عثمان ووصول ثروات البعض الى الملايين انتج لنا مايسميه التاريخ الديني (الفتنة). وستنتج ثروات السياسين والاحزاب البالغة 700 مليار دولار او نصفها فتنة عراقية لاتبقي ولاتذر كما يقول العرب.افترض ان 700 مليار كافية لتحقيق مايلي:
اولا: اعادة اعمار العراق بمحافظاته الثماني عشرة مثل بناء محطات توليد طاقة كهربائية، وانشاء خمسة او ستة سدود لخزن المياه والغاء حجة تركيا بمنع تدفق المياه في الرافدين وبناء شبكة طرق حديثة وامينة بين محافظات العراق ومد سكك حديد وانشاء محطات في بغداد والمحافظات والاقضية والنواحي بقطارات سريعة ونظيفة وامينة وبناء ستة الاف مدرسة جديدة واصلاح نظام التعليم وتحديثه حيث توقف منذ عام 1984 حتى الآن وبناء الف مستشفى حديثة في المحافظات والاقصية مجهزة باحدث الاجهزة الطبية مع نظام صحي متطور وتبليط شوارع المدن وانشاء ارصفة وحداث واحزمة خضراء لجميع المحافظات واعادة اعمار الاراضي الزراعية ليأكل العراقيون من زرعم ويشربون من ضرعهم وتكثير الثروة الحيوانية فلا نستورد اللحكم المجمد منذ عشرين عاما من نيوزلندا واستراليا وجزر الواق واق التي وردت في قصص الف ليلة وليلة.وتأسيس قطاع خاص لايعاني من الامراض الحكومية واريد ان اشير الى ان واحدا من امراض القطاع الخاص هو ان الناس لايريدون التوظف فيه ويفضلون القطاع الحكومي لسببين الاول هو استمرار العمل في القطاع الحكومي بامر اداري وليس بعقد يبين حقوق وواجبات الطرفين والثاني هو عدم وجود راتب تقاعدي من القطاع الخاص والحل لذلك هو اضافة الخدمة في القطاع الخاص واستقطاع نسبة للراتب التقاعدي لاي عمل آخر سواء في القطاع الخاص او الحكومي وتثبيت ذلك بعقود بين الطرفين.
ثانيا : اعادتي الى الوظيفة وحصولي على تقاعدي الذي قضت عليه الغانية مادلين مطر ، التي غنت سالفاتها من الغانيات للخلفاء الذين طاروا من العرش والتي استوردتها نقابة الصحفيين للعراق وهي تهز قوامها السمين امام بعض سياسيي وصحفيي ومرتزقة العراق لكي يعتبروا ذلك انجازا للشعب العراقي وفكا لعزلة العراق عن العالم وتطويرا للعلوم والتكنولوجيا وايجاد فرص عمل لالاف الشباب العاطلين ،فكل صرخة من صوتها العفيف والفضيل يتوظف الف عاطل ويبنى الف بيت وترعى حقوق الف ارملة ويضحك الف يتيم وفي كل هزة عطف من اعطافها الشريفة تشمخ الف شجرة على ارض العراق وتجري المياه في نهري دجلة والفرات وعلى شجى كل انة من اناتها تدبج الف كلمة تهتف للعدالة والحق والمساواة والحرية وبناء الدولة . اي ثلاثة جرذان جلبت للعراق الطاعون في السفينة التي رست في العراق يوم التاسع من نيسان عام 2003 قبل الميلاد.

ليست هناك تعليقات: