11 يوليو 2012

«الدستورية» تحل مجلس الشعب 1990 .. ومبارك يتجاهل الحكم .. ولا اعتراض من أحد



المصري اليوم
بينما يترقب المصريون نتائج الخلاف غير المسبوق بين رئيس الجمهورية والمحكمة الدستورية العليا حول قرار الرئيس محمد مرسى بعودة مجلس الشعب للانعقاد وإلغاء القرار التنفيذى السابق بحل المجلس تطبيقاً لحكم المحكمة الدستورية العليا بشأن عدم دستورية بعض مواد قانون انتخابات مجلس الشعب، تستدعى «المصرى اليوم» من أرشيف المحكمة حكماً تكاد ظروفه تتطابق مع ما تشهده مصر اليوم، وتطرحه للرأى العام فى محاولة لقراءة أبعاد الموقف من خلال ما استقر عليه قضاء المحكمة الأعلى فى مصر.

ترجع وقائع القضية إلى 22 عاماً مضت، حينما أصدرت المحكمة الدستورية العليا فى 19 مايو 1990 حكماً بعدم دستورية بعض مواد قانون مجلس الشعب، وقضت بأن تكوين المجلس «باطل منذ انتخابه»، فى تعبير مشابه لما ورد بحكمها فى القضية الأخيرة بحل مجلس الشعب الحالى.

لم ينفذ حسنى مبارك، رئيس الجمهورية السابق، حكم المحكمة، فاستمر مجلس الشعب قائماً نحو 4 أشهر حتى 26 سبتمبر 1990، حينما أصدر الرئيس السابق قراراً بوقف جلسات المجلس، واستخدم صلاحياته فى دستور 1971 المعمول به آنذاك ودعا الشعب للاستفتاء على حل مجلس الشعب فى 11 أكتوبر 1990، بقرار سياسى من رئيس الجمهورية وليس تنفيذاً لحكم المحكمة، لكنه راعى إصدار قانون جديد للانتخابات بالنظام الفردى لتلافى العوار الدستورى فى نظام الانتخاب بالقائمة الذى حكمت المحكمة بعدم دستوريته.

وبعد صدور قرار رئيس الجمهورية السابق الذى تجاهل حكم المحكمة الدستورية العليا ببطلان مجلس الشعب منذ انتخابه ودعا للاستفتاء على حله، تلقت المحكمة فى 4 أكتوبر 1990 دعوى «منازعة تنفيذ» تشبه تلك التى تلقتها، ، بشأن قرار الرئيس محمد مرسى وحددت يوم الثلاثاء لبدء نظرها.

طلب المدعى الحكم بصفة مستعجلة بوقف تنفيذ قرار رئيس الجمهورية الصادر بدعوة الناخبين إلى الاستفتاء على حل مجلس الشعب فى يوم 11 أكتوبر 1990 شاملاً جميع آثاره، مع الحكم تبعاً لذلك باستمرار تنفيذ الحكم الصادر من المحكمة الدستورية العليا بجلسة 19 مايو سنة 1990 بعدم دستورية المادة الخامسة مكرر من قانون مجلس الشعب، وبطلان عضوية أعضاء المجلس وتشكيله.

وقبل موعد الاستفتاء بيومين، أصدرت المحكمة برئاسة المستشار ممدوح مصطفى حسن حكمها فى دعوى «منازعة التنفيذ» وقضت فى 9 أكتوبر 1990 بعدم اختصاصها بنظر الدعوى، مستندة فى ذلك إلى أن قرار رئيس الجمهورية يعد «عملاً من أعمال السيادة» التى لا تخضع لرقابة القضاء، وقالت إنه «من الأعمال السياسية التى تتحمل السلطة التنفيذية كامل المسؤولية السياسية بصدد إجرائها بغير معقب من القضاء».

وأضافت المحكمة فى حيثيات حكمها أن استبعاد «أعمال السيادة» من ولاية القضاء يرجع إلى «اتصالها بسيادة الدولة فى الداخل والخارج وفى أنها لا تقبل بطبيعتها أن تكون محلاً للتقاضى لما يحيط بها من اعتبارات سياسية تبرر تخويل السلطة التنفيذية سلطة تقديرية أوسع مدى وأبعد نطاقاً تحقيقاً لصالح الوطن وسلامته دون تخويل القضاء سلطة التعقيب على ما تتخذه من إجراءات فى هذا الصدد».

كما قررت أن «النظر فى أعمال السيادة أو التعقيب عليها يقتضى توافر معلومات وعناصر وموازين تقدير مختلفة لا تتاح للقضاء وذلك فضلاً عن عدم ملاءمة طرح هذه المسائل علناً فى ساحات القضاء».

وتنشر «المصرى اليوم» النص الكامل لحكم المحكمة الدستورية العليا فى القضية رقم 4 لسنة 12 قضائية «منازعة تنفيذ»
حيثيات الحكم: المحكمة غير مختصة بنظر قرار رئيس الجمهورية.. والسلطة التنفيذية تتحمل المسؤولية السياسية عنه 
باسم الشعب
المحكمة الدستورية العليا
بالجلسة العلنية المنعقدة 9 أكتوبر سنة 1990، برئاسة السيد المستشار ممدوح مصطفى حسن رئيس المحكمة وحضور السادة المستشارين الدكتور عوض محمد المر والدكتور محمد إبراهيم أبوالعينين ومحمد ولى الدين جلال ونهاد عبدالحميد خلاف وفاروق عبدالرحيم غنيم وسامى فرج يوسف أعضاء،
وحضور السيد المستشار السيد عبدالحميد عمارة المفوض، وحضور السيد رأفت محمد عبدالواحد أمين السر، أصدرت الحكم الآتى فى القضية المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 4 لسنة 12 قضائية «منازعة تنفيذ».
الإجراءات
بتاريخ 4 أكتوبر سنة 1990 أودع المدعى صحيفة هذه الدعوى قلم كتاب المحكمة طالباً الحكم بصفة مستعجلة بقبول هذا الإشكال شكلاً وبوقف تنفيذ قرار رئيس الجمهورية الصادر بدعوة الناخبين إلى الاستفتاء على حل مجلس الشعب يوم 11 أكتوبر 1990 شاملاً جميع آثاره مع الحكم تبعاً لذلك باستمرار تنفيذ الحكم الصادر من المحكمة الدستورية العليا بجلسة 19 مايو سنة 1990 بعدم دستورية المادة الخامسة مكرراً من قانون مجلس الشعب متضمناً قضاءه ببطلان عضوية أعضائه وتشكيله مع إلزام المدعى عليهم بالمصروفات شاملة مقابل أتعاب المحاماة بحكم نافذ بقوة القانون بموجب مسودته دون إعلان تطبيقاً لحكم المادة 286 من قانون المرافعات ومع حفظ جميع الحقوق الأخرى.
وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة بدفاعها، وطلبت فيها الحكم أصلياً بعدم اختصاص المحكمة ولائياً بنظر الدعوى، واحتياطياً بعدم قبول الدعوى أو برفضها. وبعد تحضير الدعوى أودعت هيئة المفوضين تقريرا برأيها.
ونظرت الدعوى على الوجه المبين بمحضر الجلسة وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم.
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق والمداولة، حيث إن الوقائع - على ما يبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق- تتحصل فى أن المدعى أقامها طالباً الحكم بصفة مستعجلة بقبول هذا الإشكال شكلاً وبوقف تنفيذ قرار رئيس الجمهورية الصادر بدعوة الناخبين إلى الاستفتاء على حل مجلس الشعب فى يوم 11 أكتوبر 1990، شاملاً جميع آثاره مع الحكم تبعاً لذلك باستمرار تنفيذ الحكم الصادر من المحكمة الدستورية العليا بجلسة 19 مايو سنة1990 بعدم دستورية المادة الخامسة مكرراً من قانون مجلس الشعب متضمناً قضاءه ببطلان عضوية أعضائه وتشكيله، وأورد فى بيان الدعوى أنه بتاريخ 19 مايو سنة 1990 .
أصدرت المحكمة الدستورية العليا حكمها بعدم دستورية المادة الخامسة مكرراً من قانون مجلس الشعب رقم 38 لسنة 1972 وقضى قضاء قطعياً نهائياً باتا فى أسبابه ببطلان انتخاب أعضاء مجلس الشعب وتشكيله الذى تم نفاذاً لحكم هذه المادة، واستطرد بأن المستقر عليه فقهاً وقضاء أن كل فصل فى أى مسألة فرعية فى أسباب الحكم تكتسب حجية منطوقه وتكون لها قوته فى الإثبات والنفاذ فى حق الجميع بالنسبة لأحكام المحكمة الدستورية العليا عملاً بالمادتين 48 و49 من قانونها الصادر بالقانون رقم 48 لسنة 1979، وتبدأ هذه الحجية من وقت النطق بالحكم دون أن تتوقف على تنفيذه أو على العلم به فعليا أو قانونياً، كما تنفذ الأحكام بعد إعلان المحكوم عليه بها بالوسيلة التى قررها القانون، ولذلك فإن حكم المحكمة الدستورية العليا الصادر فى 19 مايو سنة 1990 تمتد حجيته ونفاذه وتنفيذه إلى المدعى وغيره من المواطنين، وبهذا المقتضى فإنه يعتبر من ذوى الصفة والمصلحة فى طلب استمرار تنفيذه وتعقب إجراءات تعطيل هذا التنفيذ عملاً بالمادة 50 من قانون المحكمة الدستورية العليا .
وأضاف أن السيد رئيس الجمهورية أصدر بياناً بتاريخ 26 سبتمبر سنة 1990 ضمنه إعلانه عن قرار أصدره استناداً إلى المادة 136 من الدستور بوقف جلسات مجلس الشعب ودعوة الناخبين إلى الاستفتاء على حله وهو ما يعنى عدم الإقرار بحجية وآثار حكم المحكمة الدستورية العليا الصادر فى 19 مايو سنة 1990 المشار إليه وعدم إقرار نفاذه بعد نشره فى الجريدة الرسمية واعتبار مجلس الشعب قائماً صحيحاً دستورياً وقانونياً تخلصاً من هذا الحكم وعدم تنفيذه، ولذا فقد أقام هذه الدعوى، وفى مذكرة موجزة صمم المدعى على طلباته المتقدمة.
وحيث إن المدعى قدم بجلسة 7 أكتوبر سنة 1990 مذكرة بتوضيح حقيقة طلباته فى الدعوى فى مواجهة الحاضر عن الحكومة، طلب فيها الحكم بصفة مستعجلة بقبول الإشكال فى تنفيذ الحكم الصادر فى الدعوى رقم 37 لسنة 9 قضائية «دستورية»، شكلاً، وباستمرار تنفيذ هذا الحكم متضمناً ما قضى به قطعياً ونهائياً وباتاً من أسبابه ببطلان انتخاب أعضاء مجلس الشعب، وترتيب جميع ما يترتب على ذلك من آثار شاملة وقف تنفيذ قرار رئيس الجمهورية الصادر بدعوة الناخبين إلى الاستفتاء على حل مجلس الشعب، باعتبار أن طلب وقف تنفيذه من المسائل الفرعية المترتبة على قبول الإشكال واستمرار تنفيذ الحكم المستشكل فيه، وفقاً لنص المادة 47 من قانون المحكمة الدستورية العليا، مع إلزام المدعى عليهم بالمصروفات والأتعاب وتنفيذ الحكم بمسودته تطبيقاً للمادة 286 من قانون المرافعات، ودفع فى ذات الجلسة بعدم دستورية قرار رئيس الجمهورية سالف البيان.
وحيث إن الحكومة دفعت أصلياً بعدم اختصاص المحكمة ولائياً بنظر الدعوى، واحتياطياً بعدم قبول الدعوى أو برفضها.
وحيث إن الدستور وقانون المحكمة الدستورية العليا الصادر بالقانون رقم 48 لسنة 1979 قد اختصا هذه المحكمة - دون غيرها - بالرقابة القضائية على دستورية القوانين واللوائح، واستهدفا بذلك صون الدستور القائم وحمايته من الخروج على أحكامه وترسيخ مفهوم الديمقراطية التى أرساها، سواء ما اتصل منه بتوكيد السيادة الشعبية - وهى جوهر الديمقراطية - أو بكفالة الحريات والحقوق العامة - وهى هدفها - أو بالمشاركة فى ممارسة السلطة - وهى وسيلتها - وذلك على نحو ما جرت به نصوصه ومبادؤه التى تمثل دائماً القواعد والأصول التى يقوم عليها نظام الحكم ولها مقام الصدارة بين قواعد النظام العام، التى يتعين التزامها ومراعاتها وإهدار ما يخالفها من التشريعات باعتبارها أسمى القواعد الآمرة.
وإذا كانت الرقابة القضائية على دستورية القوانين واللوائح تجد أساساً لها - كأصل عام - فى مبدأ الشرعية وسيادة القانون الذى أرساه الدستور، غير أنه يرد على هذا الأصل ما استقر عليه الفقه والقضاء من استبعاد «أعمال السيادة» من مجال الرقابة القضائية، على أساس أن طبيعتها تأبى أن تكون محلاً لدعوى قضائية، وإذا كانت نظرية «أعمال السيادة» فى أصلها الفرنسى قضائية المنشأ، فإنها فى مصر ذات أساس تشريعى يرجع إلى بداية التنظيم القضائى الحديث الذى أقرها بنصوص صريحة فى صلب التشريعات المتعاقبة المنظمة للسلطة القضائية ومجلس الدولة على السواء.
وحيث إن استبعاد «أعمال السيادة» من ولاية القضاء إنما يأتى تحقيقاً للاعتبارات السياسية التى تقتضى - بسبب طبيعة هذه الأعمال واتصالها بنظام الدولة السياسى اتصالاً وثيقاً أو بسيادتها فى الداخل والخارج - النأى بها عن نطاق الرقابة القضائية وذلك لدواعى الحفاظ على كيان الدولة فى الداخل والذود عن سيادتها فى الخارج ورعاية مصالحها العليا، ومن ثم تبدو الحكمة من استبعاد هذه الأعمال من ولاية القضاء متمثلة فى اتصالها بسيادة الدولة فى الداخل والخارج، وفى أنها لا تقبل بطبيعتها- على ما سلف بيانه - أن تكون محلاً للتقاضى لما يحيط بها من اعتبارات سياسية تبرر تخويل السلطة التنفيذية سلطة تقديرية أوسع مدى وأبعد نطاقاً تحقيقاً لصالح الوطن وسلامته دون تخويل القضاء سلطة التعقيب على ما تتخذه من إجراءات فى هذا الصدد، ولأن النظر فيها أو التعقيب عليها يقتضى توافر معلومات وعناصر وموازين تقدير مختلفة لا تتاح للقضاء، وذلك فضلاً عن عدم ملاءمة طرح هذه المسائل علناً فى ساحات القضاء.
وحيث إن خروج أعمال السيادة عن ولاية القضاء يعد إحدى صور التطبيق الأمثل لأعمال المفهوم الصحيح لمبدأ الفصل بين السلطات، الذى يوجب إقامة توازن دقيق بين السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية، بحيث تتولى كل من هذه السلطات صلاحياتها التى خلعها عليها الدستور وفى الحدود التى رسمها دون افتئات من إحداها على الأخرى.
وحيث إن إعمال هذا المفهوم الصحيح لمبدأ الفصل بين السلطات والاستجابة للحكمة والاعتبارات التى اقتضت استبعاد «أعمال السيادة» من ولاية القضاء بوجه عام قد وجدت صدى لها فى القضاء الدستورى فى الدول المتحضرة التى أخذت بنظام الرقابة القضائية على دستورية القوانين واللوائح، إذ جرى هذا النوع من القضاء فى هذه الدول على استبعاد «الأعمال السياسية» - التى تعد بحق المجال الحيوى والطبيعى لنظرية «أعمال السيادة» - من اختصاصه ومن نطاق هذه الرقابة القضائية.
وحيث إن العبرة فى تحديد التكييف القانونى لأى عمل تجربة السلطة التنفيذية لمعرفة ما إذا كان من «أعمال السيادة» أم لا - وعلى ما جرى عليه قضاء هذه المحكمة - هى بطبيعة العمل ذاته لا بالأوصاف التى قد تخلع عليه متى كانت طبيعته تتنافى مع هذا الوصف.
وحيث إن قرار رئيس الجمهورية رقم 404 لسنة 1990، بشأن دعوة الناخبين إلى الاستفتاء على حل مجلس الشعب، إنما يتعلق باستطلاع رأى هيئة الناخبين التى تمثل القاعدة الشعبية فى أمر يتصل بأخص المسائل المتعلقة بعلاقة السلطة التنفيذية بالسلطة التشريعية ويتصل بتكوين هذه السلطة، وهو يعد بهذه المثابة من أبرز الأمور التى تتعلق بممارسة سلطة الحكم، ومن ثم يعتبر من «الأعمال السياسية» التى تتحمل السلطة التنفيذية كامل المسؤولية السياسية بصدد إجرائها بغير معقب من القضاء.
أما عن الدفع بعدم دستورية قرار رئيس الجمهورية سالف الذكر فإن النظر فيه يفترض، ابتداء، خضوع هذا القرار - بطبيعته ومنظوراً إليه فى ذاته- لرقابة القضاء، وهو ما يتأبى عليه وفقاً لما سلف بيانه، وبذلك ينتفى اختصاص المحكمة بنظر الدعوى.
«لهذه الأسباب»
حكمت المحكمة بعدم اختصاصها بنظر الدعوى وألزمت المدعى بالمصروفات ومبلغ ثلاثين جنيهاً مقابل أتعاب المحاماة

ليست هناك تعليقات: